الأستاذ/ اسلام الوكيل |
كانت الخطوط الأولي لدولة التلاوة قد بدأت ملامحها في الظهور مع وجود الشيخ علي محمود والشيخ رفعت والشيخ الشعشاعى الكبير ، وكانوا قد خطفوا القلوب والألباب بتلاواتهم العطرة المتقنة ، وبدأت الجماهير تتعطش لسماع القرءان الكريم من هؤلاء وغيرهم ، لننتقل من القاهرة إلي طنطا حيث ذلك الشاب الصغير الذى بدأ يشق طريقه بكل قوة في عالم التلاوة ، إنه الشيخ مصطفي إسماعيل المولود عام ١٩٠٥م ، وكان كسابقيه له أسلوبه وطريقته الجديدة في التلاوة ، أو لنقل إنه صاحب مدرسة جديدة ، ثم وفي طنطا أيضا يظهر الشيخ الحصرى المولود عام ١٩١٧م بمدرسة جديدة ، ومن ثم بدأ القراء يطرقون أبواب مدرسة التلاوة وكل له طريقته الخاصة ، وكان لابد للإذاعة من نمط ونهج معين حين تجمع كل هؤلاء للقراءة بها ، وهنا يقيض الله عز وجل للإذاعة رجال مخلصون ، وهم إن كانوا خلف الستار إلا أن دورهم لا يقل عن دور القراء ،إن لم يكن يفوقهم خطورة وأمانة ، فكان رئيس الإذاعة الموسيقار محمد حسن الشجاعى وهو من مواليد قرية أبو الغر ، فكان حرصه الشديد علي وقار القرءان وهيبته وقدسيته ، لذا فقد اختار رئيسا للجنة اختبار القراء الشيخ عامر عثمان أحد أهم وأبرز علماء القراءات في عصره ليتولي الإشراف علي التلاوات داخل أروقة الإذاعة ، وكان تسجيل التلاوة يعرض علي متخصصين قبل إذاعته لكتابة تقرير يفيد مدى دقة التلاوة وسلامة أحكامها ، وبعد المراجعة المستفيضة والمتأنية تذاع التلاوة بعد ثبوت خلوها من أى خطإ أو لحن ، لتصبح التلاوة فيما بعد مرجعا للمسلمين في كل مكان ؛
ويزداد القبول علي الإذاعة من مستمعين وقراء ، ومع شدة اختبارات الإذاعة فلا يتجاوزها إلا القراء المتقدمون ، وبدأ ظهور جيل من القراء ضم الشيخ البنا وعبد الباسط والبهتيمى والزامل وغيرهم ،ومع الوقت أصبحت مصر هي قبلة القرءان المسموع في العالم الإسلامى ، ليطوف قراء مصر شتى بقاع الأرض من مشارقها إلي مغاربها ؛
لكن طموح الناس كان أكبر من ذلك ، فكان الحلم الجديد هو إنشاء إذاعة خاصة بالقران الكريم ، وقدساهم في هذا الحلم الشيخ عبد الرحمن عبد اللطيف _رحمه الله _ وتحقق الحلم لتكون إذاعة القرءان الكريم في مصر هى أول إذاعة متخصصة للقرءان المسموع،والتى كانت جماهير المسلمين في كل مكان تتلقف ترددها بكل نهم وشوق
ومن هنا قامت دولة التلاوة الجميلة التى تعلقت بها جماهير المسلمين في شتى بقاع الأرض ، والتى تتلخص معالمها فيما يلي :-
أولا الإتقان الشديد والدراسة علي كبار علماء القراءات في ذلك العصر
ثانيا الإحساس بمعانى القرءان الكريم أثناء التلاوة
ثالثا الأدب والخشوع مع النص المقدس حيث لا تلاعب أثناء القراءة
رابعا البعد عن التكلف والتطريب أو الحرص علي إرضاء الجماهير
أضف إلي ذلك كله يقين كل قارئ من هؤلاء العباقرة أن الخطأ جريمة لا تغتفر اللهم إلا إن كان سهوا أو نسيانا ،
وأجمل ما في تلك الحقبة الزمنية أن لكل قارئ شكله ومدرسته الخاصة التى تتميز عن غيره من القراء ،أو يمكن القول بأن كل قارئ منهم قد دخل عالم التلاوة من باب خاص به لم يدخل منه غيره ، ويتضح ذلك جليا حين يبدأ بالاستعاذة ، فحين يقول أعوذ وقبل أن يكمل لاتخطئ الأذن صوته ، ومع ذلك فقد جمعتهم جميعا صفات الحب والمودة رغم شراسة المنافسة وقوتها فيما بينهم ،كما جمعهم التواضع الشديد ،لذلك فالمستمع الذي يبحث عن شئ معين لابد وأن يجده في أحد هؤلاء العمالقة ،
فمثلا الباحث عن جمال الصوت يذهب وبلا تردد للشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ عبد الباسط،
أما الباحث عن التعلم والنطق الصحيح الذي يجسد الحروف تجسيدا فلن يتحول عن الشيخ الحصرى ، أما الباحث عن رقة القلب والخشوع والبكاء فلا شك سيذهب للشيخ المنشاوى ، لكن الباحث عن الحنان والدفء فلن تخطئ أذنه صوت الشيخ البنا ، أما من يبحث عما يخرج من أعماق القلب وتلابيبه فلن يبرح الشيخ الفشنى والشيخ عبد العزيز علي فرج وهكذا ستجد عند كل قارئ ماليس عند غيره ؛
وتسير دولة التلاوة بخطى رصينة وقوية ، وتصدح أصوات عظمائها بآى الذكر الحكيم في كل مكان من أرجاء المعمورة ، لكن مازال القائمون علي أمر الإذاعة يبحثون عن جديد ، حتى كانت تلك الفكرة الفريدة الغير مسبوقة أيضا والتى سنقف معها في حلقتنا القادمة بإذن الله ؛
هناك 3 تعليقات:
ماشاء الله أ. اسلام
مُوفق فى كل كتاباتك دائما بإذن الله
ما شاء الله اسلوب رائع وشيق .جزاك الله خيراً
بالتوفيق ي خالي ❤️❤️❤️
إرسال تعليق