الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا
تساؤل جال بخاطري، وآل بعقلي، وشحذ ذهني، وأربك فكري حين مطالعتي للسيرة النبوية بقصة السيدة زينب - رضي الله عنها - وزوحها أبو العاص بن الربيع، هذا التسؤال أعياني إجابته فترة من الزمن؛ حيث لم أجد له إجابة تهدي حيرتي، وأنشد بها ضالتي ؛ حتي يَسَّرَ اللهُ -تعالَي - لي ما تستقر له نفسي ، ويؤمن به عقلي، ويطمئن له قلبي، وينعقد عليه فكري، وكان ما يَسَّرَه الله تعالى لي من إجابة لتساؤلي لم أجده صريحًا، ومباشرًا بكتاب واحد ، بل جَمَّعته من شتات الكتب، ومبعثرات المراجع بعد قراءة طويلة ، ومطالعة حثيثة لهذا الأمر؛ فقد استنتجت من خلال ربط الأحداث ببعضها، ومعرفة التاريخ الزمني بدقة لبعض الأحداث للحكم بثبوت، أو نفي بعض الأمور الهامة، والمتداخلة بهذا التساؤل ، بالإضافة للوقوف علي قاعدة من الأدلة ترجح صحة ما أدعيه؛ حيث كان الإشكال علي نحو ما يلي :
(مقدمة التساؤل)
إذا كان أبو العاص بن الربيع قد أُسِرَ للمرة الثانية بعد أسره أولَ مرة بغزوة بدر في رمضان بالعام الثاني للهجرة؛ حيث وقع أسيرًا للمرة الثانية في سرية زيد بن حارثة بمنطقة العيص في ١٣ جمادى الأولى للسنة السادسة للهجرة الثلاثاء ٢٩سبتمبر ٦٢٧ م أي قبل صلح الحديبية بستة أشهر حيث كان الصلح في شهر ذي القعدة من ذات العام، وهو السادس.
-ثم هرب أبو العاص بن الربيع من الأسر؛ فذهب ليلًا لزوجته السيدة زينب بنت رسول الله- ﷺ - ، وطرق بابها طالبًا منها إجارته أي تطلب له الأمان من والدها - ﷺ - وردِّ مال قافلته إليه الآتية من الشام، والذاهبة لمكة في ١٩ جمادى الأولى ٦ هجرية الاثنين ٥ أكتوبر ٦٢٧ م، وقد أجارته؛ وطالبت والدها - ﷺ - برد مال قافلته إليه .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : صَرَخَتْ زَيْنَبُ أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ ، فَقَالَ : " أَيْ بُنَيَّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ، وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ "
- بعد إجارة السيدة زينب لزوحها بخمسة أشهر نزلت آيات بصلح الحديبية بشهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة تحرِّم الزوجة المسلمة علي زوجها غير المسلم إذا انقضت عدتها منه كقوله تعالى ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ١٠ الممتحنة، وقوله تعالى: {وَلَا تُنكِحُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍۢ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ }البقرة ٢٢١.
وكان تساؤلي علي هذا النحو :
لماذا قال النبي- ﷺ -للسيدة زينب قبل صلح الحديبية في شهر جمادي الأولي للعام السادس للهجرة أي قبل نزول آيات التحريم بخمسة أشهر، والقاضية بتحريم المسلمة على زوجها الكافر بحديث ورد بالسنن الكبرى للبيهقي، وبتاريخ الطبري (أَيْ بُنَيَّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ، وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ) فقوله - ﷺ -وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ، دليل علي فسخ نكاحها من زوجها؛ لأنه لم يسلم بعد، لكن التشريع بفسخ النكاح لم ينزل حين أجارت السيدة زينب زوجها؛ حيث إن تحريم المسلمة علي زوجها الكافر كان بعد هذه الفترة بخمسة أشهر بصلح الحديبية من شهر ذي القعدة للعام السادس حيث نزل فيه آية رقم (١٠) من سورة الممتحنة والقاضية بتشريع التحريم بين المسلمة وزوجها الكافر بفسح النكاح بينهما بقوله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} .
وقد توصلت بفضل الله تعالى، وتوفيقه لما يلي :-
أولًا: قول النبي- ﷺ - لابنته : "أَي بنية أكرمي مثواه وَلَا يخلصن إِلَيْك فَإنَّك لَا تحلين لَهُ" ورد ببعض كتب السير مثل ، (السِّيرَة النَّبَوِيَّة)لابْن كثير ٢/٥٢٠ دَار الْمعرفَة للطباعة والنشر، بيروت، تَحْقِيق مصطفى عبد الْوَاحِد، /ص401 - وكتاب من الهدي النبوي في تربية البنات - سادسا تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لبناته - المكتبة الشاملة، لكن عند التحري، والبحث عن لفظ الحديث تبين وجوده بكتابين هما :
الكتاب الأول:
************* (السنن الكبرى للبيهقي باب كيف الخطبة، رقم الحديث ١٣٠١٨) :
سند، ومتن الحديث هو :
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلاءً ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، فِي قِصَّةِ خُرُوجِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ خَلْفَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : صَرَخَتْ زَيْنَبُ أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى ، أَنْ قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ ، فَقَالَ : " أَيْ بُنَيَّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ، وَلا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لا تَحِلِّينَ لَهُ "
الكتاب الثاني:
*************(تاريخ الطبري رقم الحديث : 573)
سند، ومتن الحديث هو :
فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ . قال : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ : " فَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ ، صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ . فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنَ الصَّلاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ كَانَ حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا سَمِعْتُمْ ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ . ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ عَلى ابْنَتِهِ ، فَقَالَ : " أَيْ بُنَيَّةُ ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ، وَلا يَخْلُصُ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لا تَحِلِّينَ لَهُ " .
-وبالرغم من تردد قول النبي- ﷺ - لابنته السيدة زينب (وَلا يَخْلُصُ إِلَيْكِ ، فَإِنَّكِ لا تَحِلِّينَ لَهُ ) بكتب السيرة إلا أن هذا القول بروايتي الحديث الواردتين بكتابي السنن الكبرى للبيهقي، وتاريخ الطبري ضعيفتين وإليك بيان ضعفهما :
فمن رواة الحديث بكتاب السنن الكبري للبيهقي :
١- أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، واسمه(أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة)، والشهرة : أحمد بن عبد الجبار العطاردي , الكنيه: أبو عمر، وهو ضعيف الحديث.
٢- محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، والشهرة : ابن إسحاق القرشي , الكنيه: أبو عبد الله, أبو بكر، وهو صدوق مدلس.
ومن رواة الحديث بكتاب تاريخ الطبري :
١- محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، والشهرة : ابن إسحاق القرشي , الكنيه: أبو عبد الله, أبو بكرو، وهو صدوق مدلس.
٢-سلمة بن الفضل، والشهرة : سلمة بن الفضل الأنصاري , الكنيه: أبو عبد الله، وهو صدوق كثير الخطأ.
٣-ابْنُ حُمَيْدٍ(محمد بن حميد بن حيان) والشهرة : محمد بن حميد التميمي , الكنيه: أبو عبد اللهم، وهو متروك الحديث.
-وباتضاح ضعفها يهن الأخذ بها، ويسقط الاستدلال بها، والاستناد لها، والاعتماد عليها، ولكن الشواهد، السابقة علي تلك الرواية الضعيفة، والسابقة أيضًا لمشروعية التحريم من مسوغات ثلاث بتعليق النكاح لا فسخه بين السيدة زينب، وزوجها غير المسلم في هذا الوقت قد توافرت لديها مما دفع النبي - ﷺ - بأمره ابنته، ومَنْ علي شاكلتها مِمَّنْ أسلمتْ دون زوجها، ثم هاحرتْ بألا تمكن زوجها منها في المعاشرة الزوحية فقط حتي يسلم، وهذا هو المعني، والمغزي المقصود من الرواية الضعيفة، والتي لم تثبت صحتها لكن مضمون العمل بمغزاها قائم لبراهين أخري غير هذا الحديث الضعيف،
تلك المسوغات الثلاث هن :
(أ) إِسْلَامُهَا.
(ب) اخْتِلَافُ الدارين(دار الإسلام، ودار الكفر) .
(ج) الهجرة إلي الله تعالى، ورسولهِ- ﷺ -بالمدينة .
- وسيأتي لاحقًا بيان تفصيلي لتلك المسوغات الثلاث القاضية بتعليق النكاح لا فسخه ، ومن العلماء مَنْ جعل تلك المسوغات سببًا لفسخ النكاح خلافًا للتعليق ، والرد عليهم .
للإجابة عن التساؤل بالمقال القادم إن شاء الله تعالى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق