ضفافنا ملتقى لمبدعى ومثقفى وعلماء ونجوم كفرالزيات, ولا يدخلها إلا المثقفين

الاثنين، أغسطس 01، 2022

فيلم المومياء لشادي عبد السلام .. الفيلم المتفرد فى تاريخ الفن الانسانى قطعة الفسيفساء الأجمل التى نحتها بروح العابد




المومياء فيلم مصري من إنتاج 1969 من إخراج شادي عبد السلام، يتناول قضية سرقة الآثار المصرية. نال الكثير من الجوائز الدولية واحتفلت به مهرجانات عالمية. ويعد من أفضل 100 فيلم مصري، وجاء ترتيبه الثالث. واختير كأفضل فيلم عربي في استفتاء عام 2013. لم يعرض الفيلم جماهيريا إلا عام 1975.


شادى عبد السلام مخرج مصري.ولد في مدينة المنيا في 15 مارس 1930 م. وتخرج من كلية فيكتوريا بالإسكندرية عام 1948 م. ودرس لاحقا فنون المسرح في لندن في الفترة من 1949 م. إلى 1950 م. التحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج منها عام 1955 م.
 
تجربة فيلم «المومياء يوم أن تحصى السنون» هى بحق تجربة فريدة فى السينما المصرية والعربية والعالمية، ولم يحدث أن اقترب فيلم مصرى من الحضارة الفرعونية مثلما فعل شادى فالفيلم يعكس غرام وشغف المخرج المُبدع شادى عبدالسلام ابن الصعيد المولود فى المنيا الذى نشأ بين دروب تلك الحضارة، والمتخرج فى كلية فيكتوريا فى الإسكندرية، تلك المدينة المتعددة الثقافات، وهو ما منحه حالة إبداعية نادرا ما تتكرر.

وقع شادى فى غرام الفن منذ أن عمل مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف فى فيلم «الفتوة»، وعشق هندسة الديكور، ودرس العمارة، وقام بتصميم الأزياء وأبدع فى هذا المجال بعد تجربته فى فيلم للمخرج حلمى حليم، وصار واحدًا من أهم رموزه، بل أيضاً كان من المتفردين فيه.. كل أشكال الفنون تلك انصهرت فى بوتقة شادى الوجدانية والإبداعية، وشكلت بوضوح تجربته الفريدة فى «المومياء «، حيث دائما ما كانت تشكل الحضارة الفرعونية مرجعية شادى فى عدد من أعماله، تلك الألوان الزاهية على جدران المعابد. تلك الحضارة التى لم تبح بكل أسرارها حتى الآن كانت هى المحرض للمخرج المتفرد فى تجربته الخاصة جدا، وما شجعه أكثر هو عمله فى ديكور وأزياء الفيلم البولندى «الفرعون» اخراج كافليروفيتش، مما جعله يسأل نفسه عن شغف الآخر بحضارتنا، ولماذا لا نطرح نحن التساؤلات عنها؟ وتجلى هذا المنطق فى الجملة الأثيرة التى شكلت إلهامًا له فى فيلم المومياء حيث قالت: «أعطنى اسمى فى البيت الكبير وأعد إلى الذاكرة اسمى يوم أن تحصى السنين»، وبالفعل حصل شادى على اسم فى البيت الكبير، بيت الإبداع الإنسانى.

واستغرق شادى فى الاعداد للمومياء والعمل عليه فترة طويلة من التحضيرات، حيث كان يقوم برسم الاسكتشات الخاصة بالفيلم لقطة لقطة، بل أيضًا كان مسئولًا عن الأزياء والديكورات، والتى كانت شديدة التميز، ولم تتكرر فى أى فيلم آخر بدءا من التصميم وصولا لاختيار الألوان الواضحة والتى تنوعت ما بين الأبيض والأسود والأزرق.

شادى الذى كان يثير مقارنات كثيرة مع زميل مشواره شاهين الذى كان أكثر إنتاجًا، أدرك أن منحوتة واحدة فى عالم الإبداع الإنسانى تكفيه، وأن البحث فى الجذور والتأمل هو جزء أصيل من رسالة الفن، ولذلك قدم «المومياء» بمنطق العابد والناسك فى محراب الفن.

الدكتور مجدى عبدالرحمن، أحد أعضاء فريق العمل، والذى أفرد العديد من الدراسات والأبحاث حول الفيلم، وكان يلقى محاضرات كاملة عنه لطلاب المعهد العالى للسينما فى أكاديمية الفنون بالقاهرة، تحدث عن دقة شادى فى إنجاز منحوتته، وكيف أن كل شيء كان يتم حسابه، بدءًا من حركة الشمس، ومدى سطوعها، وأيضًا حركة الرياح وتأثيرها على تشكيل الكثبان الرملية أثناء تصوير أحداث ولقطات الفيلم، استخدام الإضاءة الطبيعية فى أغلب المشاهد، إضافة إلى توظيف اضاءة «الكلوبات» والمشاعل فى الخطة البصرية للفيلم قام بتصويره عبدالعزيز فهمى.

سيناريو الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى أواخر القرن الثامن عشر «1871»، وكتبه شادى, أما الحوار فكان بمشاركة الروائى المتميز علاء الديب، ويدور حول قبيلة تسمى «الحربات» فى صعيد مصر تعيش على سرقة وبيع الآثار الفرعونية، وتحديدا مقابر الأسر الفرعونية من السابعة عشرة إلى الحادية والعشرين، وهى تعتبر اليوم أعظم ما تبقى من المومياوات الفرعونية، شادى يسافر بنا فى فيلمه إلى ماض يعبر آلاف السنين «العصر الفرعوني»، ويوجه بصرنا إلى تلك الهوة بين مصر المدينة ومصر القرية.. حيث الزمن يبدو هناك ساكنا لا يتحرك. فالمومياء بجمال تشكيله وشاعرية مشاهده وحواره باللغة العربية الفصحى، وهو الامر الذى كان ولا يزال نادرا هو فيلم له مقام خاص فى خارطة الفن العالمى، وإخراج المومياء يختلف عن السائد فى السينما المصرية والعربية، فقد ارتقى شادى بفيلمه إلى مستوى يقرب من العبادة..

أحداث الفيلم تدور حول الشاب ونيس «أحمد مرعى»، الذى يستيقظ على واقع أن ما كان يقوم به والده وأفراد القبيلة من بيع الآثار المسروقة لا يجب أن يستمر، وهذا ما يخلق عداوة بينه وبين آخرين يجدون فى الآثار المصدر المادى الوحيد لحياتهم.

حين يخسر ونيس شقيقه يلجأ للشرطة لكى تحميه، وتضع، فى الوقت ذاته، حدّاً لتلك السرقات.

أما القصة الأصلية فأبطالها أفراد من عائلة عبدالرسول ينجحون فى اكتشاف ما بات يعرف بخبيئة مومياوات الدير البحرى التى ضمت مومياوات أعظم فراعنة مصر مثل أحمس الأول وسيتى الأول ورمسيس الثانى، «بعضها يتم نقله اليوم فى الموكب المهيب». تلك المومياوات بقت لسنين دفينة فى موضع مجهول بعد أن نقلها آخر كهنة أمون إلى هذا الموضع لحمايتها من اللصوص، حتى وقعت فى بداية القرن التاسع عشر بين يدى قبيلة. الفيلم يدور بالتحديد عن جيل الأحفاد من هذه القبيلة، حيث وقعت الحادثة التى أدت لاكتشاف المومياوات خلال حياتهم. الفيلم محمل بالكثير من التساؤلات حول أزمة الهوية والحاجة للمال، والتساؤل عمن هم الأجداد، ومن يملك الحق فى إرث الفراعنة، وهذا جزء مما يطرحه ذلك الفيلم البديع.

وقد كتب عنه الناقد الفرنسى كلود ميشيل كلونى فى دوسيه السينما«كان من الممكن وإلى حد بعيد اعتبار المومياء فيلمًا غير مصرى لولا أن مصر تقيم بين حناياه بماضيها، بديكورها، بواقعها، بتمزقها، وتعبر داخل الفيلم عن تفردها».

شارك فى بطولة المومياء أحمد مرعى، ونادية لطفى، وزوز حمدى الحكيم، وعبدالعظيم عبدالحق، ومحمد مرشد واخرون.

المصادر
الاهرام 
موسوعه 

ويكيبيديا

 

ليست هناك تعليقات: