ضفافنا ملتقى لمبدعى ومثقفى وعلماء ونجوم كفرالزيات, ولا يدخلها إلا المثقفين

السبت، أبريل 16، 2022

إحْذَرُوا كَسْرَ الخَوَاطِرِ، فَلَيْسَتْ عَظْمًا يُجْبَرُ، بَلْ رُوحًا تُقْهَرُ - مقال بِقَلَمِ الأستاذ/ حُسَامُ أَبُو صَالِحَةٍ ابن شبشير الحصة. طنطا

الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا

 لَمْ تَرَ الدُّنْيَا أجْمَلَ فَضِيلَةً مِنْ جَبْرِ الخَوَاطِر، وإبْرَازِ المَآثرِ، وَتَقْدِيمِ الفَضَائِل؛ والإحْسَانِ إلَىٰ الخَلْقِ، وتَقْدِيرِهِمْ، وَالعُلُوِّ بِقِيمَتِهِمْ، والارتِقَاء بِشَأْنِهِمْ؛ فَالإمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ يَقُولُ : "مَا رَأيْتُ عِبَادَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا العَبْدُ إلَىٰ رَبِّهِ مِثْلَ جَبْرِ خَاطِرٍ"

وَيَقُولُ الشَّاعِرُ عَطَا سُلَيْمَانُ رَمُونِي 

الفَضْلُ يَبْقَىٰ عَلَىٰ الآذَانِ مَسْـمَعُهُ
                     لَـوْ غـَابَ صَاحِـبُـهُ حَـيًّـا بِـذِكْرَاهُ.
فاجْعَلْ رَصِيدَكَ بِالأفْعَالِ أحْسَنِهَا
                     أجْرًا عَظِيمًا مِنَ الرَّحْمَٰنِ تُـجْـزَاهُ.
كَمْ غَابَ عَنَّا رِجَالٌ فَـضْلهُـمْ أبَـدًا
                    ذِكْـرٌ تَخَـلَّـدَ فِـي الـتَّـارِيـخِ أعْـلَاهُ.
كَـمْ مَيِّتٍ ذِكْرُهُ بِـالخَـيْرِ يَحْضُرُنَا
                     والبَعْـضُ حَيٌّ كأنَّ الـمَوْتَ أخْفَاهُ.
 
-كَمَا لَمْ تعهدْ البَشَرِيَّةُ أسْوَأَ رَذِيلَةً، وأفْظَعَ إثْمًا، وَأبْغَضَ شَرًّا، وَأقْسَىا ألَمًا، وأشْنَعَ كُرْهًا، وَأكْثَرَ وَقْعًا بِالنَّفْسِ مِنْ كَسْرِ الخَوَاطِرِ، وإهْدَارُ المَآثِرِ، وَتَكْدِيرُ القُلُوبِ، وَتَنْغِيصُ الوِجْدَانِ ، وَتعْكِيرُ صَفْوِ الأبْدَانِ، وَعُلُوُّ الأحْزَانِ بالنَّفْسِ البَرِيئَةِ الطَّاهِرَةِ ذَاتِ الفِطْرَةِ النَّدِيَّةِ النَّقِيَّةِ نَأْيًا عَنْهَا بِالكَلِمَةِ الحَسَنَةِ، وَبُعْدًا لَهَا عَنْ لِينِ القَوْلِ بِهَا ، وَجَفَاءً فِيهَا بِعُبُوسٍ وإعْرَاضٍ دُونَ بَشَاشَةِ بِالوَجْهِ لَالِنَشْرِ السَّعَادَةِ حَوْلَهَا، بَلْ لإيلَامِهَا ، إيثَارًا لَهَا ، بِالكَلِمَةِ السَّيِّئَةِ، والتَّصَرُّفِ المُشِينِ، والإحْرَاجِ المُهِينِ مِمَّنْ فَقَدَ المُرُوءَةَ، وابْتَعَدَ عَنِ الإنْسَانِيَّةِ، وَبَاعَ شَهَامَتَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَقَلَّ إيمَانُهُ، وَتَلاشَىٰ إحْسَانُهُ، وَهَزُلَ يَقِينُهُ، وَضَعُفَ قَلْبُهُ؛ فَتَهَاوَتْ رُوحُهُ، وَسَقَطَتْ مَحَاسِنُهُ بِدَرَكَاتٍ سَحِيقَةٍ، وَتَلَاطَمَتْ غِلْظَتُهُ بِظُلُمَاتِ قَلْبِهِ فَلَا يَدْرِي أيُّهُمَا أَظْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ "كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " ؛ فَتَرَدَّتْ أَفْعَالُهُ مِنْ سَيِّئٍ لِأَسْوَإٍ لَا يَعِي أيُّهَا أكْثَرُ سُوءًا مِنْ شِيُوعِ السُّوءِ بِهَا جَمِيعًا.
 
-فَقَدْ يَهْفُو قَلْبُ طِفْلٍ، وتَتَرَقَّبُ عَيْنَاهُ لابْتِسَامَةٍ مِنْكَ جَبْرًا لِخَاطِرِهِ ، وَدَعْمًا مِنْكَ لِسِلُوكٍ صَدَرَ مِنْهُ فِي غَايَةِ العَفَوِيَّةِ، وَمُنْتَهَىٰ البَسَاطَةِ، وَالتِّلْقَائِيَّةِ؛ فَلِمَاذَا تَمْنَعُهُ إيَّاهَا؟ وَمَاذَا سَتَخْسَرُ مِنْ إسْعَادِهِ بِمَا يَهْوَاهُ؟ فَمُنْتَهَىٰ غَايَتِهِ، وَكُلُّ حَاجَتِهِ بَسْمَتُكَ لَيْسَ سِوَاهَا فَالتَّبَسُّمُ بِوَجْهِ النَّاسِ صَدَقَةٌ، فَمَا بَالُكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّدَقَةٌ مُنْصَرِفَةً لِطِفْلٍ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ القَلَمُ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ زَلَلٌ، قَلْبُهُ أشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَبَنِ ، فَلَمْ يَعْهَدْ قَسْوَةً، وَلَمْ يَعْرِفْ غِلْظَةً؛ فَعَنْ أبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ: " تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أخِيكَ صَدَقَةٌ. " صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ ٤٧٤.
فَتَنْهَرُ الطِّفْلَ بِشِدَّةٍ بَالِغَةٍ؛ لِتَصَرُّفٍ بَدَرَ مِنْهُ زَاجِرًا إيَّاهُ، عَابِسًا لَهُ بِوَجْهٍ أَشْنَعُ مِنْ وَجْهِ أبِي جَهْلٍ ، أوْ أفْظَعُ مِنْ طَبْعِ أبِي لَهَبٍ فَتُوقِعُ بِهِ الأَلَمَ بِكَسْرِ خَاطِرِهِ فِيمَا لَمْ يَقْصِدْ، وَلَمْ يَعْمِدْ ، بَلْ إنَّ مُوَاسَاةَ الطِّفْلِ عِنْدَ حُزْنِهِ جَبْرًا لِخَاطِرِهِ لَمِنْ شِيَمِ الرُّحَمَاءِ الأتْقِيَاءِ الأنْقِيَاءِ ؛ فَقَدْ كَانَ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَٰهُ عَنْهُ أخًا صَغِيرًا اسْمُهُ عُمَيْرًا ، كَانَ لَهُ نُغَيْرًا - وَهُوَ الطَّائِرُ الصَّغِيرُ - يَلْعَبُ بِهِ؛ فَمَاتَ النُّغَيْرُ، حَزِنَ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ؛ فَذَهَبَ إلَيْهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ يَزُورُهُ لِيُوَاسِيهِ، وَيُمَازِحُهُ؛ فَقَالَ لَهُ : "يَا أبَا عُمَيْرِ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
 
*وَعَنْ شَدَّادٍ بنِ الهَادِ اللَيْثِيِّ : " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَٰهِ ﷺ فِي إحْدَىٰ صَلاتَيِ العِشَاءِ، وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا، أوْ حُسَيْنًا؛ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَٰهِ ﷺ، فَوَضَعَهُ ،ثُمَّ كَبَّرَ للصَّلَاةِ، فَصَلَّىٰ؛ فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي، وَإذَا الصَّبِيُّ عَلَىٰ ظَهْرِ رَسُولِ اللَٰهِ ﷺ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إلَىٰ سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَىٰ رَسُولُ اللَٰهِ ﷺ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَٰهِ ، إنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أطَلْتَهَا، حَتّىٰ ظَنَنّا أنَّهُ قَدْ حَدَثَ أمْرٌ، أوْ أنَّهُ يُوحَىٰ إليْكَ، قَالَ: كُلُّ ذَٰلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَٰكنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حَتَّىٰ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ.
الأَلْبَانِيُّ (ت ١٤٢٠)، صَحِيحُ النَّسَائِي ١١٤٠.
 
*وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ: " أنَّ رَسُولَ اللَٰهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ فَكَانَ إذَا قَامَ حَمَلَهَا وَإذَا سَجَدَ وَضَعَهَا"
صَحِيحُ ابنُ حِبَّانَ ١١٠٩.
 
-وَقَدْ يَنْتَظِرُ مِنْكَ يَتِيمًا قَدْ آلَ الزَّمَانُ بِتَغْيِيبِ سَنَدِهِ، وَقُوَّةِ ظَهْرِهِ، وَأَعَزِّ النَّاسِ إلَيْهِ ، وَأحَبِّ الخَلْقِ عَلَيْهِ وَالِدُهُ؛ فَتَمْسَحُ دَمْعَةَ حُزْنِهِ، وَتُزِيلُ شَقَاءَ بُؤْسِهِ، وَتَمْحُوَ مَجَامِعَ أَلَمِهِ ؛ فَتُرَبِّتَ عَلَي كَتِفِهِ، وَتَمْسَحُ عَلَىٰ شَعْرِهِ فَيُحِسُّ فِيكَ بِأُبُوَّةٍ بَعْدَمَا فَنَتْ، وَبِسَنَدٍ قَدْ عَادَ بَعْدَمَا وَلَّىٰ ، وَحَنَانٍ تَدَفَّقَ حَيْثُمَا نَضُبَ؛ إذْ المَسْحُ عَلَىٰ الرَّأْسِ، وَالتَّرْبِيتُ عَلَىٰ الكَتِفِ لَا يُكَلِّفُكَ شَيْئًا سُوَىٰ جَبْرِكَ خَاطِرَهُ قَالَ تعَالَىٰ : "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ " ٩ الضحىٰ.
*وَعَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ : "أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يَزُورُ الأنْصَارَ ويُسلِّمُ عَلىٰ صِبْيَانِهِمْ وَيَمْسَحُ رُؤوسَهُمْ."  صَحِيحُ ابنُ حِبَّانَ ٤٥٩،
*وَعَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ : " أنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا، وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبّابَةِ والوُسْطى"صَحِيحُ البُخَارِيِّ ٦٠٠٥ .
 
-وَقَدْ يَنْتَظِرُ مِنْكَ آحَادُ النَّاسِ كَلِمَةً طَيِّبَةً لِمَعْرُوفٍ قَدَّمَهُ لَكَ جَبْرًا لِخَاطِرِهِ، وَتَقْدِيرًا مِنْكَ لِحَقِّهِ عَلَيْكَ بِشُكْرِكَ إيَّاهُ كَقَوْلِكَ لَهُ (بَارَكَ اللَٰهُ فِيكَ، جَزَاكَ اللَٰهُ خَيْرًا، شُكْرًا، رَبِّي مَا يِحْرِمْنِي مِنْكَ...) تَصْدِيقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَٰهِ بنِ عُمَرَ: "وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتَّىٰ تَرَوْ أنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ"  العقيدةُ والآدابُ الإسلاميةُص١٢٨. ، وَيَقُولُ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ :
لا تَمْنَعَنَّ يَدَ المَعْرُوفِ عَنْ أحَدٍ
                     مَا دُمْتَ مُقْتَدِراً فَالسَّعْدُ تَارَاتُ.
واشْكُرْ فَضَائِلَ صُنْعِ اللَٰهِ إذْ جُعِلَتْ
                      إليْكَ لَا لَكَ عِنْدَ النَّاسِ حَاجاتُ.
 
-فَلِمَ التَّنَكُّرُ لِفِعْلِهِ، وَإحْبَاطُ عَمَلِهِ؟ غَيْرَ إهْدَارِكَ لِجَهْدٍ سَاقَهُ إلَيْكَ، وَمَعْرُوفٍ قَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَغُبْنِهِ بِمَآثِرِ عَمَلِهِ ،وَتَحْطِيمِكَ عَزْمِهِ بِتَقْدِيمِهِ أيُّ مَعْرُوفٍ آخَرَ لَكَ، وَلِغَيْرِكَ فَقَدْ أغْلَقْتَ بِعَيْنَيْهِ رَحَابَةً بِالقَوْلِ، وَحُسْنًا بِالفِعْلِ ، وَمَنَعْتَ عَنْ سَمْعِهِ مَا يَصْبُو لَهُ قَلْبُهُ، وَيَهْفُو لَهُ وَجْدُهُ ، وَتَتُوقُ لَهُ نَفْسُهُ، وَتَنْتَشِي لَهُ مَدَارِكُهُ بِإسْمَاعِكَ إيَّاهُ كَلِمَةً طَيِّبَةً تُكَافِئ جَمِيلَ فِعْلِهِ، فَلِمَاذَا تَكْسِرُ خَاطِرًا كَانَ أوْلَىٰ لَكَ جَبْرُهُ؟ ، وَلِمَ تَتَجَاهَلُ عَمْدًا تَقْدِيرَ مَعْرُوفٍ كَانَ أحْرَىٰ بِكَ شُكْرَهُ؟ يَقُولُ الشَّاعِرُ :
وَمَنْ لَمْ يَشْكُرُ النَّعْمَاءَ فَظٌّ
                          غَلِيظُ الطَّبْعِ لَمْ يَنْفَعْهُ وَعْظٌ.
 
لأنَّ الشُّكْرَ للإنْعَام حِفْظٌ
                          وَلَمْ يَفُتِ الفَتَىٰ بِالعَجْزِ حَظٌّ.
 
-وَقَدْ يَنْتَظِرُ مِنْكَ بَعْضُ النَّاسِ تَهْنِئَةً لِنَجَاحٍ حَقَّقَهُ، أوْ تَرَقِّىَ بِالسُّلَّمِ الوَظِيفِي حَصَلَ عَلَيْهِ ، أوْ نَجَاحِ أحَدِ المُقَرَّبِينَ لَدَيْهِ؛ فَتُعِينُهُ عَلىٰ جَهْدِهِ، وَشَقَائهِ، وَتَعَبِهِ، وَكِفَاحِهِ المُكَلَّلِ بِالفَلَاحِ، وَالمُتَوَّجِ بِالنَّجَاحِ ؛ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ تُسْعِدُهُ، وَتُدْخِلُ السُّرُورَ عَلىٰ قَلْبِهِ كَقَوْلِكَ لَهُ (مَزِيدٌ مِنَ النَّجَاحِ، مِنْ نَجَاحٍ لِنَجَاحٍ ، أنْتَ أهْلٌ لِذَٰلكَ، تِسْتَاهِلُ كُلَّ خَيْرٍ، مُبَارَكٌ النَّجَاحُ ...) يَقُولُ الشَّاعِرُ عَطَا سُلَيْمَانُ :
والإعترافُ لِأهلِ الفَضْلِ مَكْرُمَةً
                       أجرُ الـدُّعـَاءِ بِـيَومِ العَرْضِ يَلْقَاهُ.
 
-بِاللَٰهِ أخْبِرنِي مَاذَا تَنْتَقِصُ مِنْكَ مُجَامَلَةٌ طَيِّبَةً تَسُوقُهَا لإنْسَانٍ هُوَ أحَقُّ بِهَا ، وَأجْدَرُ لَهَا، وَفِي أمَسِّ الحَاجَةِ لِسَمَاعِهَا؟  لِمَاذَا تَهْدِمُ بِعَيْنَيْهِ فَرْحَتَهُ ، وَتُنَكِّسُ فِيهِ سَعَادَتَه، وَتُقَلِّلُ مِنْ مِقْدَارِ نَجَاحِهِ ،وَتُذِيبُ جِبَالَ كِفَاحِهِ، وَتُسْقِطُ هَامَاتِه ، وَتُهْدِرُ كُلَّ غَايَاتِهِ ، فَضْلًا عَنْ تَجَاهُلِكَ أحَبَّ شَهَادَاتِهِ؟  سِوَىٰ أنَّ نَفْسَكَ المَرِيضَةَ أَبَتْ كَلِمَةً طَيِّبَةً تُسْعِدُهُ، واسْتَكْثَرَتْ عَلَيْهِ فَرْحَتَهُ؛ فَضَنَنْتْ عَلَيْهِ مُجَامَلَتَهُ، وَكَسَرَتْ بِخَاطِرٍ كَانَ أوْلىٰ بِكَ جَبْرَهُ، يَقُولُ الشَّاعِرُ :
ليكنْ حديثـُك سَلْسـَـــــلاً عَذْبًا
                        فَيَرُوقُ لِلمَغْمـُــــومِ إنْ غَبَقــَـــه.
و يَكُونُ سَرْدُكَ نَفْحَهُ عِطْرًا
                        ‏كَي يَسْتَسِيغَـهُ كلُّ مَــــنْ نَشَقَــه.
وَيَقُولُ الحُطَيْئَةُ :
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يُعْدَمْ جَوَازِيَهُ
                       لا يَذهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللَٰهِ وَالنَّاسِ.
 
-وَقَدْ يَنْتَظِرُ مِنْكَ البَعْضُ كَلِمَةَ صِدْقٍ تَرُدُّ بِهَا غَيْبَتَهُ مِمَّا يَجْبُرُ خَاطِرهُ، ويُبْرِئُ سَاحَتَهُ،وَيَكُفُّ مَظْلَمَتَهُ فعَنْ أبِي الدَرْدَاءِ : "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرضِ أخِيهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ"  سُنَنُ التِرْمِذِيِّ الرقم : 1931، حَسَنٌ، أخْرَجَهُ التِرْمِذِيِّ (1931)، وأحمد (27543).
 
-وَقَدْ يَغِيبُ شَخْصٌ عَنْ نَاظِرَيْكَ قَهْرًا، أوْ عَمْدًا، مِمَّنْ لَكَ بِهِ صِلَةُ عَمَلٍ، أوْ صَدَاقَةٍ ،أوْ قَرَابَةٍ ؛ فَيَنْتَظِرَ مِنْكَ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَتَفَقُّدُ حَالِهِ؛ فَقَدْ يَكُونُ بِضَائِقَةٍ، أوْ هَمٍّ ؛ فتُفرِّجَ عَنْهُ كُرْبَتَهُ بِسُؤالِكَ عَنْ فَقْدِهِ ، وَتُزِيلَ عَظِيمَ أزْمَتِهِ ،  فَلِمَاذَا تَتَجَاهَلُ عُذْرَهُ ، وَغِيَابَهُ بِعَدَمِ سُؤَالِكَ عَنْهُ؟
فواللهِ مَا أقْسَاكَ غِلْظَةً !
وتاللهِ مَا أقْلَاكَ رَحْمَةً !
وباللهِ مَا أفْقَرَكَ إنْسَانِيَّةً !
 
-إنَّ التَّجَاهُلَ، وَعَدَمَ مُرَاعَاةِ النَّاسِ، وَانْعِدَامَ المَوَدَّةِ يَقُودُ للْقَطِيعَةِ، والبَيْنِ الشَّاسِعِ، وَالكُرهِ الوَاسِعِ بَيْنَ الأقَارِبِ، والأبَاعِدِ، يَقُولُ أبُو تَمَّام:
لا خَيرَ في قُربىْ بِغَيرِ مَوَدَّةٍ
                                 وَلَرُبَّ مُنتَفِعٍ بِوُدِّ أَباعِدِ.
وَإِذا القَرابَةُ أَقبَلَت بِمَوَدَّةٍ
                          فَاِشدُد لَها كَفَّ القَبولِ بِساعِدِ.
-فَكَاسِرِي الخَوَاطِرِ هُمْ قُسَاةُ القُلُوبِ الذِينَ ينْطَبِقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالىٰ «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ »الزمر٢٢.
*وَقَوْلِهِ عزَّ وَجَلَّ»، «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ »البقرة٧٤.
 
-كَمْ هَدَمَ مِنَ الأنْفُسِ؟ وَكَمْ كَدَّرَ مِنَ الخَوَاطِرِ؟ ، وَكَمْ أزعَجَ وضَيَّقَ مِنَ القُلُوبِ؟  فإثْمُهُ كَبِيرٌ ، وَوِزْرُهُ غَيْرُ قَلِيلٍ، وَحِمْلُهُ ثَقِيلٌ، وَحِسَابُهُ عِنْدَ اللَٰهِ عَسِيرٌ.
 
-فَكَسْرُ الخَوَاطِرِ أكْثَرُ إيلَامًا، وَأشَدُّ قَسَاوَةً، وأعْنَفُ وَقْعًا مِنْ كَسْرِ أعْضَاءِ الجِسْمِ كَاليَدِ، أوْ القَدَمِ، لأنَّ اليدَّ، أوْ القَدَمَ تُجْبَرُ، وَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ، أمَّا كَسْرُ الخَوَاطِرِ فلا يُجبرُ أبدًا؛ وَلَا يَلْتَئِمُ أَزَلًا؛ إذْ يَبْقَىٰ مَكْسُورُ الخَاطِرِ عَلِيلًا، لأنَّ جَبْرَ الخَاطِرِ بَعْدَ كَسْرِهِ يَصْعُبُ جَبْرُهُ ، وإعَادَتِهِ كَمَا كَانَ ، يَقُولُ الشَّاعِرُ:
يـمـوت الـفــتـى مـن عـثـرة بـلسانـه  
                  وليس يموت المرءُ من عثرة الرِّجل.
فـعــثـرتـه بـالـقــول تـذهـــب رأســه  
                   وعثرته بالرِّجل تـبـرأ عـلـى مــهــل.
 
-وَلِذَٰلِكَ مَكْسُورُ الخَاطِرِ لَا يَنْسَىٰ كَاسِرَ خَاطِرِه وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ؛ فَقَدْ يَمُوتُ الإنْسَانُ بِسَببِ كَسْرِ خَاطِرِه، وَلِذَٰلِكَ كَسْرُ الخَوَاطِرِ يَهْدِمُ النُّفُوسَ، ويُعِلُّ القُلُوبَ، ويُمْرِضُ البَدَنَ؛
فَالكَلِمَةُ الحَسنَةُ نُورٌ لِمَنْ قَالَهَا، وَلِمَنْ قِيلَتْ لَهُ، وَالكَلِمَةُ السَّيِّئَةُ قُبُورٌ قَدُ تُودِي بِصَاحِبِهَا المَهَالِكُ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ:
أحْفَظْ لِسَانــَـكَ أيُّهَا الإنْسَانُ
                                    لا يلدغنك إنَّهُ ثُعْبَانُ.
كَمْ فِي المَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ
                                كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الأقْرَانُ.
 
-لِذَٰلِكَ حِينَما سَأَلَ مُعَاذٌ النَّبِيَّ ﷺ قائلًا: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ له:" ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟" رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني.
 
-إنَّ ثَوابَ الجَبْرِ، وَالرِّفْقَ بِالخَلْقِ ،وَرَحْمَتِهِمْ، والإحْسَانِ إليْهِمْ لَيْسَ قاصِرٌ لَهُمْ، بلْ عَائِدٌ إلَيْكَ، وَمُتَعَدٍّ لَكَ، ، وَرَاجِعٌ بِالخَيْرِ عَلَيْكَ؛ فَأنْتَ أوَّلُ الفَائِزِينَ بهِ ، وَالحَائِزِينَ لِثَمَرَتِهِ قَالَ تَعَالَىٰ:" هَلْ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلَّا الإحْسَانُ " ﴿٦٠ الرحمن﴾*
 
فَعَنْ جَرِيرٍ بنِ عَبْدِ اللَٰهِ : " إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليُعطِي عَلىٰ الرِّفْقِ مَا لا يُعطِي عَلىٰ الخَرَقِ وإذا أحَبَّ اللهُ عَبْدًا أعْطَاهُ الرِّفقَ مَا مِنْ أهْلِ بيْتٍ يُحْرَمُونَ الرِّفقَ إلّا حُرِمُوا"الهيثمي (ت ٨٠٧)، مجمع الزوائد ٨‏/٢١، رجاله ثقات.
 
*وَعَنْ جَرِيرٍ بنِ عَبْدِ اللَٰهِ : " مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ.مسلم (ت ٢٦١)، صحيح مسلم ٢٥٩٢
*وَعَنْ عَبْدِ اللَٰهِ بنِ عَمْروٍ : " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهمُ الرَّحْمَٰنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ؛ ارحَمُوا مَنْ فِي الأرضِ يَرحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ."
ابن حجرِ،المصدر : الإمتاع،الرقم : 1/62، حسن.
*وَعَنْ أبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ : "مَن رَحِمَ و لو ذَبِيحةَ عُصْفُورٍ ، رَحِمَهُ اللهُ يومَ القِيامةِ."
الألبانيُّ، صَحِيحُ الجَامِعِ، الرقم : 6261، حسن.
 
وَقِيلَ فِي الإحْسَانِ لِلذَّبِيحَةِ "لنْ تستفيدَ الذَّبِيحَةُ مِنْ إحْسَانِكَ ذَبْحَتِهَا مِنْ عَدَمِهِ؛ إذْ الذَّبِيحَةُ مَيِّتَةٌ لَا مَحَالَةَ بانْقِضِاءِ أجَلِهَا، وانْتِهَاءِ عُمْرِهَا؛ إذْ الإحْسَانُ لا يُقَدِّمُ زِيَادَةً بِالعُمُرِ، لَٰكِنَّ الفَائِدَةَ الكُبْرَىٰ مِنْ إحْسَانِكَ لَهَا عَائِدَةٌ إلَيْكَ ، وَرَاجِعَةٌ عَلَيْكَ، وَهِيَ أنْ يَكُونَ لَكَ قَلْبُ إنْسَانٍ "
 
-اللَٰهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَجْبُرُون الخَوَاطِرَ لَا يَكْسِرُونَهَا؛ فَمَنْ سَارَ بَيْنَ النَّاسِ جَابِرًا لِلْخَوَاطِرِ أدْرَكَهُ اللَٰهُ تَعَالَىٰ فِي جَوْفِ المَخَاطِرِ قَالَ أبُو العَتَاهِيَةِ :
لا تمشِ في النَّاسِ إلَّا رَحْمَةً لَهُمُ
                                   وَلَا تُعَامِلْهُمْ إلَّا بإنْصَافِ.
واقْطَعْ قُوَىٰ كُلِّ حِقْدٍ أنْتَ مُضْمِرُهُ
                           إنْ زَلَّ ذُو زَلَّةٍ أوْ إنْ هَفَا هَافِ.
وارغَبْ بِنَفْسِكَ عَمَّا لا صَلَاحَ لَهُ
                            وأوسِعِ النَّاسَ مِنْ بِرٍّ وإلْطَافِ.
وإنْ يَكُنْ أحَدٌ أوْلاكَ صَالِحَةً
                            فَكَافِهِ فَوْقَ مَا أوْلَىٰ بِأضْعَافِ.
وَلَا تَكْشِفْ مُسِيئًا عَنْ إسَاءَتِهِ
                      وَصِلْ حِبَالَ أخْيكَ القَاطِعِ الجَافِي.

ليست هناك تعليقات: