في مسيرة التطور: (الجديد لا يلغي القديم)، هذا رأي شائع، يردده البعض عند الحديث عن كل اختراع جديد، فمثلاً التلفزيون، كما يقال، لم يلغِ المذياع، والإنترنت لم تلغي الكتاب.. وهكذا أصبحت هذه المقولة مخدراً لطمأنة الذين يخافون من التغيير، ويتوجسون من القادم المجهول.
ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماماً، فأي اختراع جديد يمكن أن يلغي القديم، وفي أقل الأحوال يأخذ من جماهيره فيتقلص نفوذه في الحياة، ويصبح حكراً على كبار السن.. لقد أخذ التلفزيون جزءاً كبيراً من جماهير الراديو، وتكاد تنهي الإنترنت حقبة الصحف الورقية.
هناك أشياء كثيرة أخرجها التطور من دائرة الحياة وأحالها إلى المتاحف، ففي المخترعات؛ هناك الجرامافون، والكاسيت، والهاتف ذو القرص، وغيرها.. وفي مجال الأدب اختفت المقامة والموشحات.
الكتاب من الأشياء التي دار حولها جدل البقاء، فبرغم طوفان التطور، والانفجار المعلوماتي، وظهور أهم اختراع حققه الإنسان في العصر الحديث وهو الإنترنت، مازال الكتاب شجرة عتيقة في العاصفة، لكن هذا لا ينهي الخطر.
مع تسليمنا بالحرب غير المتكافئة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، فإن المشكلة ليست في التقنية التي تتطور كل يوم، بل كل ثانية، المشكلة في الكتاب المطبوع الذي لم يتطور منذ اختراع الطباعة عام (1456م).
حتى يبقى، لا بد للكتاب العربي أن يتطور، وهذا التطور باب مفتوح لا يمكن التكهن به، فمثلاً يجب أن يشمل التطور الشكل والحجم والطباعة والمضمون، وطريقة التوزيع. يجب أن يخضع الكتاب بعد عقود من التقليدية والتكرار والكسل، إلى الابتكار والإبداع والخلق والتطوير.
الغلاف بحد ذاته يجب أن يكون عملاً إبداعياً، يتخطى الإخراج التقليدي الرتيب.. إذا أردت أن تقترب من الصورة؛ ادخل قسم الكتب الأجنبية في المكتبات، وقارن بين الغلاف العربي والغلاف الأجنبي، ستكتشف أن الفرق هائل.
الورق يجب أن يكون من نوعية خفيفة سهلة الحمل والشحن. أهدتني إحدى الجهات حديثاً بعض الكتب، بعضها ضخم جداً، مطبوع على ورق مصقول ثقيل، وهو ما يعيق حمله، إضافة إلى تعارضه مع قواعد السلامة.
وقطْع الكتاب/ مقاسه، يجب أن يتناسب مع القارئ، فيمكن وضعه في الجيب أو حقيبة الظهر الصغيرة، ومن أمثلة ذلك سلسلة (روايات الجيب) التي بدأ إصدارها عام (1984م) بروايات الكاتب الراحل نبيل فاروق في سلسلة (رجل المستحيل)، والتي من أهم سماتها الحجم الصغير.
توزيع الكتاب يجب أن يشهد نقلة نوعية، وفي هذا الإطار أدعو اتحاد الناشرين العرب إلى تبني مشروع إعفاء المستلزمات الداخلة في صناعة الكتاب من الجمارك، ومن رسوم الشحن، واعتبار الكتاب سلعة ثقافية تعليمية توعوية، توازي جهود الإغاثة، وذلك بموجب اتفاقية عالمية تنص على المعاملة بالمثل.
الكتاب نفسه يجب أن يتغير شكله العام، وأن يتجلى فيه إبداع التصميم، هناك كتب تطلق الموسيقا عند فتحها، وأخرى تتحول إلى مجسمات وأشكال ورسومات وعبارات توضيحية، والإبداع في هذا المجال لا ينتهي.
تسويق الكتاب فن، لذلك يجب أن نتعامل مع الكتاب كسلعة فنبدع في تسويقه وتقديمه والترويج له، وأمامنا اليوم وسائل إعلامية شتى، بدءاً من وسائل الاتصال إلى مواقع التواصل.
الإعلان عن الكتاب يجب أن يكون بالمجان، باعتباره سلعة هدفها التثقيف والتنوير.. إن محطات التلفزيون العربية كانت تحذف اسم الكاتب باعتباره عنواناً.
الخوف من التغيير صفة إلإنسانية، خاصة في الثقافة الشعبية التي تحتفي بالعادات والتقاليد وتمجد التراث، لكن المشكلة الحقيقية تحدث عندما نعيش في الماضي، ونمسك بتلابيبه، ونرفض التطور.
في عصر الإنترنت والثقافة المسموعة وأنماط شتى من الثقافات التي جلبتها ثورة المعلومات، التحدي الحقيقي للمؤسسات الثقافية هو تطوير الكتاب.
عندما نتحدث عن أزمة الكتاب، يجب أن ندرك أن المشكلة ليست في الوسيلة، وليست في القديم والجديد، المشكلة في عدم التطور، فالعضلة التي لا تتحرك تضمر، والشيء الذي لا يتطور يموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق