الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا
فَزَيْنَبُ أَكْبَرُ بَنَاتِ المُصْطَفىَٰ ﷺ، وَأَوَّلُّ فَرحَةٍ وَهَبَهَا الإِلَٰهُ تَشْهَدُها عَيْنَاهُ؛ فَقَد وُلِدَتْ بِمَكَّةَ سنةَ (٢٣ق.هـ) ثلاثةٍ، وعشرينَ قَبْلَ الهِجْرةِ الموافقةَ سنةَ(٦٠٠م) سِتُّمَائةٍ مِيلَادِيَّةٍ أيْ قَبْلَ بِعثَةِ النَّبِيِّ محمدٍ ﷺ بعشْرِ سَنَواتٍ ، وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ ثَلاثِينَ عَامًا، إذْ هِىَ القُرَشِيَّةُ الهَاشِمِيَّةُ ذَاتَ الحَسَبِ العَرِيقِ، وَالنَّسَبِ العَتِيقِ، والسِّيرَةِ الطَّيِّبَةِ، والسَّرِيرَةِ القَيِّمَةِ. نَمَتْ أَكْبَرُ أَزْهَارِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَيْنَعَتْ، وَصَارَتْ وَردَةً فَوَّاحَةَ العِطْرِ النَّدِيَّةِ، والطَّلْعَةِ الزَاهِيَةِ البَهِيِّةِ، نَمَتْ حُسْنًا، وَنَضَارَةً، وَعُمْرًا، فَضْلًا عَنْ حُسْنِ شَرَفِهَا، وَرَوْعَةِ أَصْلِهَا، وجمال فصلها، وَتَمَيُّزِ أَدَبِهَا، وَتَفَرُّدِ سَمْتِهَا، وَعُلُوِّ صِفَاتِهَا، ، وَطِيبِ نَسَبِهَا، وَسُمُوِّ خُلُقِهَا، كَيْفَ لا، وهىَ الزَّكِيَّةُ، العَفِيفَةُ، الطَّاهِرَةُ سَلِيلَةُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ فَلا عَحَبَ مِنْ ذَٰلِكَ ؛ فَهِىَ ابْنَةُ خَيْرِ الَعالَمِينَ بالدنيا، والأخرىَٰ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ، وابْنَةُ خَيْرِ نِسَاءِ العَالَمِينَ أُمُّ المُؤمِنِينَ السيِّدَةُ خَدِيجَةُ رضىَ اللهُ عَنْهَا، أَحَبَّ نِسَائِهِ إلَيْهِ ،وَأَغْلَىَٰ المُقَرَّبِينَ إلَيْهِ، والَّتِي قَالَ عَنْهَا-ﷺ- "واللَّهِ مَا أبْدَلَنِي اللهُ خيرًا مِنْها" تِلْكَ الَّتِي بَشَّرَهَا جِبْرِيلُ بِقَولهِ للنَّبِيَّ ﷺ" بَشِّرْ خَدِيجَةَ ببيتٍ في الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ"
-وَيْكَأَنِّي أَسْمَعُ دَقَّاتِ قَلْبِ هذا الشَّابِّ الأَبِىِّ بِمَكْنُونِ نَفْسِهِ، وَمَداخِلِ وَجْدِهِ قَائلةً عَمَّا أَلَمَّ بِهِ، وَفَاضَ بِأَمَانِيهِ، وَأُمْنِيَاتِهِ وَأَحَاسِيسِهِ:كَابَرْتُ بِوَجْدِي مَا اسْتَطَعْتُ مِنْ قُوَّةِ الإِعْصَارِ. مَا يَفْعَلُ السَّبَّاحُ بِبَحْرٍ مُتَلاطِمٍ فَائِقُ التَّيَّارِ. مَا زَالَ الوَجْدُ يَنْمُو بِرُغْمِ وَعْثَائِهَا الأَسْفَارِ. تَمَلَّكَنِي كُلِّي مَا عُدْتُ أَقْوَي بِمَرَارَةِ الإنْكَارِ. - وَكَانَتْ تِلْكَ الزَّهْرَةُ اليَانِعَةُ، وَالوَرْدَةُ المُتَفَتِّحَةُ مَثَارَ أَمَلٍ، وَبالِغَ حُلْمٍ، وَحُسْنَ شَدْوٍ لِخَيْرِ نَمُوذَجٍ بأَمْثَلِ زَوْجَةٍ، وَأَكْمَلِ زِيجَةٍ يَتَمَنَّاهَا، ويَهْفُو لهَا كُلُّ رَاغِبي العِفَّةِ بالإنْكَاحِ مِنْ زِينَةِ شَبَابِ مَكَّةَ، وَفَخْرِ أبْنَائِهَا، وَلَٰكِنْ أنَّىَٰ لتلكَ الشَّمْسِ السَاطِعَةِ أَنْ يُطَاوِلُهَا سَحَابٌ، وأنَّىَٰ لِغُثَاءِ سَيْلٍ أنْ يَهْزِمَ أمْوَاجًا عَاتِيَةً مُتَلاطِمَةَ التَّيَّارِ ؛ فَمَا لِلأَنْجُمِ السَّاطِعَاتِ إلَّا سَمَاءً تُقِلُّهَا، وَمَا للشَّمْسِ المُضِيئَةِ إلَّا قَمَرًا يَسْبَحُ في فَلَكِهَِا، فَمَا نِيلَتِ المَطَالِبُ بالتَّمَنِّي، وَلَٰكِنْ بالمُثَابَرَةِ وَالتَّأَنِّي؛ فالكَنَائِنَ تُمْلَؤ قَبْلَ الرِّمَاءِ؛ وَمَنْ نَوىَٰ الصِّيَامَ تَزَوَّدَ بِسُحُورِه بالطَّعَامِ والمَاءِ، وَمَنْ أَرَادَ المَعَالِىَ سَهِرَ اللَّيَالِىَ، وَمنْ لَمْ يَسْهَرْ اللَّيَالِي فَاتَهُ كُلُّ ثَمِينٍ، وغَالي، وَمَا فَازَ بالقَلبِ إلَّا جَاسِرٌ بالأَمَلِ وَمَا شَبِعَ النَّمْلُ حتَّىَٰ جَدَّ في العَمَلِ، وَمَا سَادَ الأَسَدُ حتَّىَٰ افْتَرَسَ وَأَكَلَ ، وَمَا أصَابَ السَّهْمُ إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنَ القَوْسِ، وَمَا قَطَعَ السَّيْفُ حَتَّىَٰ صَارَ أحَدَّ مِنَ الشَّفْرَةِ، والمُوسِ والفَأْسِ؛ لذَا غَارَ شَبابُ قُرَيشٍ مِنْ أبي العَاصِ بنُ الرَّبيعِ حِينَ وَافقَ النَّبِيُّ ﷺ علىَٰ زواجهِ مِنْ زَيْنَبٍ؛ فَعَاتَبَتْ قريشٌ النَّبِيَّ لأنَّ أعرافَهُم تُقِرُّ بِأنَّ ابنَ العمِّ أولىَٰ مِنْ ابنِ الخالةِ؛ فقدْ حَالَ دُونَ رَغْبَةِ جَميعِ شَبَابِ مَكَّةَ رغبةٌ واحدةٌ هىَ رَغْبَةُ المُحِبِّ ابنُ خالَتِهَا هِنْدٌ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ(أبِو العاصِ بنُ الرَّبِيعِ).
آَخَىَ ابنُ الرَّبِيعِ لَيَالِيًا لِلِفِكْرِ بِالأَسْحَارِ. قَد أَوْشَكَ مِنْ شِدَّةِ إِعزَازِهِ يَنْهَارُ. يا ابنةَ خَالَتِي رِفْقًا بِعُمْرٍ حَاطَهُ إِحْصَارَ. رِفْقًا بِقَضَاءٍ هَلَّا تُنِيرُهُ أَسْعَدَ الأَقْدَارِ. - اسْتَجْمَعَ هَٰذا الشَّابُّ (أبِو العاصِ بنُ الرَّبِيعِ) قُوَاهُ، وبَالِغَ شَجَاعَتِهِ، واستَدعَىَٰ مَكَامِنَ هِمَّتِهِ ، لِيَطْلُبَ مِنْ خَالَتِهِ عَرضَ رَغْبَتِهِ بالزَّوَاجِ مِنْ ابنةِ خَالتِهِ (السَّيِّدَةُ زَيْنَبُ) عَليَٰ والِدِهَا، وَوَلِىِّ أَمْرِهَا، وصَاحِبِ شَأنِهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ زَوْجُ خَالتِهِ، فَيَالَهُ مِنْ جَمِيلِ لُطفٍ، وَبَديعِ عَطفٍ، فَأنْعِمْ بهِ مِنْ مُصَاهَرَةٍ، وَقُربٍ، وَمُنَاسَبةٍ وَشَرَفٍ . - فَكَأَنَّ الدُّنيا بِأسرِهَا بِلِسَانِ حَالِهَا، وَفَصِيحِ مَقَالِهَا، وَسُرُورِ وَجْدِهَا قَائِلَةً لابنَةِ الرَّسولِ ﷺ الزَوجَةِ المَصُونِ :
مَنْ ذا يُضَاهِي نَبْتَكِ طُهْرًا أَيْنَعَ الأَزْهَارِ. مَنْ ذا الَّذِي يَرْقَى بِخَيْرِ هَذِهِ الأَصْهَارِ. صِهْرُ النَّبِيِّ وَزَوْجِهِ مَا مِثْلُهُمْ أَخْيَارُ. يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالىَٰ بالجُزءِ الثَالِثِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق