ضفافنا ملتقى لمبدعى ومثقفى وعلماء ونجوم كفرالزيات, ولا يدخلها إلا المثقفين

الأحد، مايو 02، 2021

الزياره .. قصه قصيره للقاص والروائى الكبيرعلى الفقى ابن كفرالزيات

 

الأستاذ/ على الفقى المحامى والروائى الكزداوى الكبير


لم استطع كبت فرحتى وأنا أخطو باب منزلها واصعد الدرج ببطء حتى تستطيع هى أن ترتب ما قد يكون قد فات امها من ترتيبات فى الشقة ربما لم تسعفها المكالمة التليفونية استعدادها لاستقبال زائر لأول مرة..
المكان الذى ولدت به وشهد طفولتها ويتم صباها واستكانة شبابها وتمردها على حياة لم تخترها وجدران شاهدة على قهرها وقدرها لتحظى بلقب غريب على أعين الأسرة وانيابها الناهشة لكل قطعة لحم من تصرفاتها وحروفها المطلقة
مما جعلها تشحذ الابتسامات بنكات مفتعلة لتقتنص ضحكة تهزم بها الماضى وتجذبنى لقوة الارتباط بها .
جلست فى الصالون العتيق الضخم احدق فى صورة الأب الراحل مبتسما لابتسامته الخفيفة فى البرواز ويشبهنى إلى حد كبير كما قالت لى .
دخلت السيدة الأم. طويلة .مهندمة .تلف جسدها النحيف فى روب مشجر زاهى الألوان .لفت انتباهى حاجبيها المخططان بقلم حواجب عريض .جلست أمامى فملات كرسى الصالون العميق وجذبت الحديث مع ابنتها حول موضوع خاص بالعائلة بينما كنت ابتسم لوجهها المشرب بالبودرة الوردية التى لم تخفى تجاعيد الزمن .صوتها العالى يحمل لغتها الساحلية التى تبهج المكان وتثير ابتسامات أشعر انها بلهاء كلما نظرت لى وألقت كلمات ترحيب باهتة مما جعلنى لم استمر وقتا أطول فاستاذنت بحجة ان لابد العودة لبلدتى البعيدة قبل الليل .
تناولت يدها المعروقة فتركت أصابعها الطويلة للسلام الفاتر وبوجه لم يتأهب للمقابلة ولا الحوار الذى كنت أود ان اطلب خلاله يد ابنتها .بينما كانت نظرات الأب المعلقة على الحائط تبتسم لوداعى كنت افكر كيف ستقابلنى هذه السيدة الزيارة القادمة وهى الاهم ..

- وعدتها بأن أقلع عن التدخين..

قالت : - هل عندك الإرادة ؟ قلت: - من يحبك فقد امتلك الإرادة ترى هل تستوعب الأم هذه الإرادة التى تملكنى للتمسك بابنتها ؟ هل ستفلح الزيارة القادمة،وأنا بمفردى وسط جيش العائلة بداية من الأم وحتى أصغر أحفادها ؟! سأجلس وحيدًا كعادتى ؛أمام مجتمع كامل يحمل فكرة واحدة ربما لن يحيدوا عنها، وربما استقبلوا أفكارى العادية بسخرية وارتياب ،لكنى أثق فى فكرتى المحددة حول قلب الحبيبة ستجعلها تطير معى إلى المستقبل الذى فكرنا كثيرًا لبنائه، كما أثق بأن نظرات صغار العائلة ستتأرجح فى الهواء المحيط بنا؛ ليلتقطوا التفاصيل عن هيئتى وطريقة كلامى ورباطة عنقى التى لن تعجبهم ،ويتخذون من هذا الوافد إليهم من باب الكهولة،الهارب من العمرالمتلاحق فأجهز على أنفاسه ؛مثارا للتندر بحكايات يختلقونها ليضحكوا، أو يشحذوا همة الرفض عندها.. أنظر فى عينيها المتلهفتين المشتاقتين إلى حجز أماكن لكلينا نلهو بها فى أحلامنا ،ونترك الزمن الذى سار بنا بلا هوادة،هو نفس الزمن الحائر معنا الآن . ليس أمامى إلا أن أكون متحدثاً لبقًا لأن الجميع سيتكلم ، ولن أستطيع أن أسمع الجميع ،وهم لا يعلمون بأن لا شئ سيضاهى سعادتى بها إلا سعادة الموت . وبالتأكيد أنى سأهملهم وأكون مشغولًا عنهم فى كيفية صعودى أفرع الشجرة التى ارتكنت عليها الزيارة الأولى أمام منزلها، سأصعد حتى غرفتها وأطبطب عليها مخبأ دموعها فى صدرى ،ثم أحملها على جناحى الشوق والإرادة ونطير، فيتعجب الجيران والأهل والأقارب وكل أصحاب الحيلة ..كيف طار هذا العجوز من لاحيلة له ،وتحملت كهولة ظهره أن يحملها فوقه ؟! فهم لا يعرفون أن لاحيلة لى إلا الحب .


ليست هناك تعليقات: