ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا
ثقافةٌ جميلةٌ، وأدبٌ راقٍ تمنيتُ أنْ أراهُ، وأشهدَهُ قبلَ مَوْتِي بتساؤلاتٍ لِأُمْنِياتٍ أحبَبْتُها لكنَّها مستحيلةً أردتُ طرحَها بمسامِعِكُم لعلَّها تَمَسُّ وُجْدَانَكُمْ قبلَ عقولِكُمْ فَتُغَيِّرَ طَبْعًا قد أُلِفَ، وتفكيرًا بالغَىِّ عُرِفَ وليْتَه للحقِّ عُهِدَ وصُرِفَ.
فمتىَٰ نسمو فوقَ اختلافِنَا، لنرىَٰ الآخَرَ ذو رَأْىٍ مُعتَبَرٍ، وكيانٍ مُحتَرَمٍ ، وشَأنٍ يُجَلُّ وَيُقَدَّرُ حتىَٰ، ولو أبدىَٰ رأيًا مُناقضًا لِمَا عَهِدنَاهُ، وما صِرنَا عليهِ، وألِفْنَاهُ؟ لماذا لا نَنْتَصِرُ لِغَيْرِنَا ولوْ مَرَّةً بالعمرِ مِنْ أنْفُسِنَا فَلَكَمْ نَاصَرنَاهَا علىَٰ الغيرِ مِرارًا، وتِكرارًا؟ بلْ ودائِمًا، وَأَبَدًا نَحنُ علىَٰ هَٰذا الدربِ سائِرينَ، وللنَّفْسِ مُنْتَصِرِينَ حتَّىَٰ ولوْ لمْ نَكُنْ مُحِقِّينَ ، وَمُنصِفِينَ بهذا الانتصارِ الواهمِ بالنَّفسِ ، والمُحَرِّضِ لها علىَٰ التَّضَخُّمِ بالذَّاتِ حتىَٰ تصلَ لمرحلةٍ تَنْفَجِرُ فيهِ مِنْ كَثْرَةِ تَضَخُّمِ ذاتِهَا، واستِفْحَالِ الأنَا بِها.
متىَٰ أرَىَٰ النَّاسَ بلحظةِ الاختلافِ شِعَارُهُمْ (الخلافُ بالرأيِّ لا يُفْسِدُ للوُدِّ قَضِيَّةً)؟ بَدَلًا مِنْ جَعلِ الشِّعَارِ الأَوْفىَٰ، واليَقِينِ الأََكْفَىَٰ هُوَ الاختلافُ سَبَبُ كُلِّ قطيعةٍ، وبُغْضٍ ، وأَذِيَّةٍ، وَكُرْهٍ. متىَٰ أرَىَٰ الذي يختلفُ معي يَحتويني ويُبَيِّنُ لىَ حقيقةَ وجهةَ نَظَرِهِ ، ويُوقِنُ بأنَّها لا تَتَقَاطَعُ معَ وجهةَ نظرِهِ ، وأنَّنَا بهذا الاختلافِ نَتَنَوَّعُ ونَرتَقِي، ونتكامَلُ، فيكمِّلُ كُلٌّ مِنَّا ما ينقصُ لدىَٰ الآخَرِ؟ إذْ كُلٌّ مِنَّا يضعُ لبنةً بالبناءِ الذي نختلفُ بَسَبَبِهِ لنصلَ بالنهايةِ إلىَٰ اكتمالِهِ وعمرانِهِ . لماذا كُلٌّ مِنَّا يحاولُ إثباتَ ذاتِهِ ولو بتجاهلِ الآخَرِ، أو مَحوِهِ أصلًا، أو هدرِ طاقتِهِ ، وإهمالِ جهدِهِ؟ ليسَ دافعًا لذَٰلكَ سوىَٰ حُبُّ إثباتِ الذَّاتِ البغيضِ الواهمِ ، والانتصارِ للنَّفسِ بالآفاتِ والزَلَّاتِ المُنْكَرِ الآثِمِ . متىَٰ أرَىَٰ مَنْ يختلفُ معي يأخذُ بمبدإِ( رَأيِي صوابٌ يحتملُ الخطأَ، ورأيُ غيري خطأٌ يحتملُ الصوابَ)؟ لماذا دائمًا تعتقدُ جازمًا أنَّكَ علىَٰ حقٍ، وما دونكَ فعلىَٰ نقيضِهِ بالباطِلِ؟ متىَٰ نُغَلِّبُ العقلَ والتَّعَقُّلَ علىَٰ القلبِ والعاطفةِ، فلا نَنْسَاقُ وراءَ عواطِفِنا الخاطِئَةَ، ومَشَاعِرَنا الزَّائِفَةَ، وفكرَنا المُشَوَّشَ ، ومَبَادِئَنَا المُجَافِيَةَ للحَقِّ، النَّائِيَةَ عَنْ جَوْهَرِ الحَقِيقَةِ؟ متىَٰ أرَىَٰ المُخْتَلِفَ مَعي بأمرٍ مَا يَضَعَهُ في تمامِ نصابِهِ ، فلا يَتَعَدَّاهُ لجميعِ شئونِهِ بالتعامُلِ معي كيما لا تَصِيرَ قَطِيعةٌ تامَّةٌ بِكُلِّ شيءٍ؟ ومتىَٰ أراهُ يُؤازرني بأتْرَاحي، ويُهنيني بأفراحِي، ويُسَرِّىَ عنِّي لحظاتِ هَمِّي، ويُنْهِىَ عنِّىَ أَسْبَابُ غَمِّي، ويُفَرِّجُ عنِّىَ كُرُبَاتي، ويُقِيلُ عَثَرَاتي، ويَغْفِرُ زَلَّاتي؟ متىَٰ يعلُو الإنسانُ علىَٰ نَفْسِهِ، ويتسامىَٰ بكيانِهِ، ويعودُ لإنسانيَّتِهِ الرَّاقِيَةِ كسابقِ عهدِهِ ليقولَ لِمَنْ يَخْتَلِفُ مَعَهُ بأي مُنَاسَبَةٍ سَعِيدَةٍ كُلُّ عامٍ وانتَ بخيرِ ؟ متىَٰ نُحقِّقُ الأخيَرِيَّةَ بأخْذِنَا مُبَادَرة البدءِ بالسلامِ لمنْ خَالَفَنَا تَحقيقًا، ومصداقًا لقولِ النَّبِيِّ ﷺ ( وخَيْرُهُمَا الذي يَبْدَأُ بالسلامِ)؟ تساؤلاتٌ بلْ أُمْنياتٌ وَدَدُّتُ أنْ لوْ تَحَقَّقتْ، وتمنَّيتُ أنْ لو ترسَّخَتْ، ولكنْ أنَّىَٰ لها من تَحَقُّقٍ، واستحالةٍ لها من رسوخٍ وتَثَبُّتْ؛ إذْ النَّفسُ الإنسانيةُ المتحجرةُ يستحيلُ أنْ تلينَ، وتتغَيَّرَ فَمَنْ أَلِفَتْ طَبَائِعُهُ الانتصارَ لِنَفْسِهِ عَلَىَٰ مَنْ حَولَهُ وَتَزْكِيَةِ عقلِهِ عَلَىَٰ مَنْ دُونَهُ لا تنتظرُ مِنْهُ رَجَاءَ لِينٍ بِطَبْعِهِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق