يا لقوةِ شخصهِ! ، ورسوخَ فِكرهِ، وإصرارَ مأربهِ، ويقينَ فطرتهِ، وَيَا لأقدارِ اللهِ تعالَٰى، ورضاهُ عنهُ؛ بتيسيرِ سُبُلِ الاهتداءِ إليهِ! وتسخيرِ الأحداثِ بأسبابِها، ومُسَبِّبَاتِها بأزمنتِها، وأمكنتِها لهُ ؛ فكأنَّ قدميهِ تسيرانِ بهِ لِمَا خَطَّ بهِ القلمُ، وجَرىَٰ بهِ القدرُ.
ما هَٰذا الإصرارُ العنيدُ؟ ، والسعيُ الأكيدُ؛ لمعرفةِ الحقِّ مِنَ الباطلِ ، والاهتداءِ للهِ الخالقِ، ورسولهِ الصادقِ؛ فلمْ يُثْنِهِ عَنْ طولِ الطريقِ شِدَّتِهِ ، وكثرَةِ وُعُورَتِهِ ، ولمْ يصرفْهُ عنِ الحقِّ فقدانَ أهلِهِ، وأقربائهِ ، وسلطانهِ، وصولجانِهِ، وعُزوَتِهِ، وصُحبَتِهِ، وخلَّانِهِ ، ونعومَةِ عيشهِ، ويُسرِ حياتهِ، ورَغَدِ مأكلهِ ، ومشربهِ ، وغنىَٰ ملبَسِهِ، ومسكنهِ ، لمْ يُردِعهُ ضياعَ مالهِ، وذهابَ حرِّيَتِهِ، وصيرورَتِه رقيقًا ببلادٍ ليستْ بلدهِ، ولأناسيِّ ليسُوا بأهلهِ أنْ يُراجعَ ما عَزَمَ بهِ ، وما أصرَّ عليهِ، برُغمِ تَغَيُّرِ حالهِ لأسوإ ما كانَ عليهِ منْ نعيمٍ ، وراحةِ بالٍ ، وتبدُّلِ مآلهِ لصعوبةٍ بعدَ سهولةٍ، ويُسرٍ، لَٰكِنَّ الأمورَ لا تُقَاسُ بيسرِها، وسهولَةِ طُرُقِها، وتوافرِ دعائمها، وغنَىٰ ثمرتها، وبشاشة سَعدِهَا، إنَّمَا تُقَاسُ بقَدرِ الجَهْدِ، ومِقْدَارِ التَّعَب، وَعَرَقِ الجَبِينِ ببالغِ الكَدِّ.
إنَّهُ البَاحِثُ عَنِ الحَقِيقَةِ بكلِ السُبُلِ، السَّائرُ خَلفَهَا بشتَّىٰ الوسائلِ، وكلُ الحِيَلِ "سَلمَانُ الفَارِسِيُّ"
نَسَبُهُ : الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ هُوَ : روزبه بنُ يُوذخَشَانِ بنُ مُورشِلا بنُ بَهبُوذَانِ بنُ فَيرُوزِ بنُ شِهْرَك.
قِصَّةُ إسْلامِ سَلمانَ، وَطَرَائِقُ اهتِدَائِهِ للإيمَانِ :
أوَّلًا: مَحَلُّ وِلادَتِهِ، وَعَمَلُ وَالدِهِ
قالَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه: "حَدَّثَني سَلمانُ الفارِسيُّ حَديثَه مِن فيه"، يعني: أنَّه أخَذَ القِصَّةَ مِن فَمِ صاحِبِها، وذلك أوثَقُ ما يَكونُ وأصدَقُه، قال سَلمانُ: "كُنتُ رَجُلًا فارِسيًّا مِن أهلِ أصبَهانَ، مِن أهلِ قَريةٍ منها يُقال لها: جَيٌّ، وكانَ أبي دِهقانَ قَريَتِه"، أي: رَئيسَ القَريةِ وزَعيمَها، وكُنتُ أحَبَّ خَلقِ اللهِ إليه، فلم يَزَلْ به حُبُّه إيَّايَ حتى حَبَسَني في بَيتِه كما تُحبَسُ الجاريةُ" ؛ خَوفًا عليه مِن أنْ يُصيبَه أذًى أو شَرٌّ.
ثَانِيًا : عَمَلُهُ، وَهُوَ صَبِيٌّ بِأصبَهانَ
اجتَهَدتُ في المَجوسيَّةِ وهي الدِّيانةُ التي يَعبُدُ فيها أصحابُها النارَ، حتى كُنتُ قَطَنَ النارِ، أي: خادِمَها، وأرادَ بَيانَ أنَّه كان مُلازِمًا لها لا يُفارِقُها، الذي يُوقِدُها، لا يَترُكُها تَخبو ساعةً؛ فهو لا يَترُكُها تَنطَفئُ؛ لِتَكونَ مُستَمِرَّةَ الاشتِعالِ.
ثَالِثًا: يَذهَبُ للكنيسةِ بَدلًا مِنْ تَفَقُّدِّهِ بُستَانَ أبيهِ
"قالَ سَلمانُ:" وكانت لِأبي ضَيعةٌ عَظيمةٌ" وهي الأرضُ الواسِعةُ والبُستانُ الكَبيرُ، وهو إشارةٌ إلى أنَّ أباه كان يُتابِعُ شَأنَها يَوميًّا ؛ فشُغِلَ في بُنيانٍ له يَومًا فَلم يَذهَبْ إليها كما هي عادَتُه، وانشَغَلَ في بِناءٍ له، فقال لي:" يا بُنَيَّ، إنِّي قد شُغِلتُ في بُنيانٍ هذا اليَومَ عن ضَيعَتي، فاذهَبْ فاطَّلِعْها؛ فتَعرَّفْ ما تَحتاجُه وارْعَها واعمَلْ فيها بمِثلِ عَمَلي "وأمَرَني فيها ببَعضِ ما يُريدُ؛ حَيثُ كَلَّفَه بمُهِمَّاتٍ وشُؤونٍ يَعمَلُها في تلك الأرضِ ؛ فخَرَجتُ أُريدُ ضَيعَتَه؛ فمَرَرتُ بكَنيسةٍ مِن كَنائِسِ النَّصارى التي يَتعَبَّدونَ فيها ؛ فسَمِعتُ أصواتَهم فيها وهم يُصلُّونَ؛ فسَمِعَها سَلمانُ وتَنَبَّه لِطَريقةِ عِبادَتِهم، والنَّصارى: همُ الذين كانوا على دِينِ نَبيِّ اللهِ عيسى ابنِ مَريَمَ عليه السَّلامُ، ولَكِنَّهم حَرَّفوا الإنجيلَ، فصارَ منهم مَن يَعبُدُ عيسى، ومنهم مَن يَزعُمُ أنَّه ابنُ اللهِ، ومنهم مَن قال: "إنَّه ثالِثُ ثَلاثةٍ "وكُنتُ لا أدري ما أمْرُ الناسِ؟ ماذا يَفعَلونَ، وما شأنُهم هذا الذي يَقومونَ به؟ ، وكان ذلك لِحَبسِ أبي إيَّايَ في بَيتِه، فلَمَّا مَرَرتُ بهم، وسَمِعتُ أصواتَهم، دَخَلتُ عليهم أنظُرُ ما يَصنَعونَ ، وهذا مِن بابِ الفُضولِ الإنسانيِّ؛ لِاستِكشافِ الأُمورِ التي لا يَعرِفُها؛ فلَمَّا رأيتُهم أعجَبَني صَلاتُهم، ورَغِبتُ في أمْرِهم؛ حَيثُ أرَدتُ الدُّخولَ في دينِهم، وقُلتُ: "هذا -واللهِ- خَيرٌ مِنَ الدِّينِ الذي نحن عليه" وهذا مِن تأثيرِ الفِطرةِ التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها؛ حيث يَهتَدي العاقِلُ إلى ما هو أقرَبُ لِلحَقِّ شَيئًا فشَيئًا، حتى يَهتَديَ لِعَينِ الحَقِّ، وقال سَلمانُ رَضيَ اللهُ عنه: "فواللهِ ما تَرَكتُهم حتى غَرَبتِ الشَّمسُ" فمَكَثَ عِندَهم في كَنيسَتِهم طَوالَ اليَومِ، وتَرَكتُ ضَيعةَ أبي، ولم آتِها، فلم أذهَبْ إلى أرضِ أبي وبُستانِه؛ وذلك لِانشِغالِه بأمْرِ دِينِ النَّصارى.
رَابِعًا: سَلمَانُ يَسْألُ عَنْ مَكَانِ مِيلادِ المَسِيحِ
فقُلتُ لهم:" أين أصْلُ هذا الدِّينِ؟" أين مَنبَعُه ومَبدَؤُه الذي بدأ منه؟ قالوا: "بالشَّامِ"، وذلك حيث وُلِدَ السَّيِّدُ المَسيحُ عيسى ابنُ مَريَمَ، ونَزَلتْ عليه الرِّسالةُ، ودَعا إلى اللهِ في بِلادِ الشَّامِ القَديمةِ، وفيها الناصِرةُ، وبَيتُ المَقدِسِ.
خَامِسًا : وَالِدُهُ يَنشَغِلُ بالبَحثِ عنهُ، ويَترُكُ عَمَلَهُ
ثم رَجَعتُ إلى أبي، وقد بَعَثَ في طَلَبي فَأرسَلَ إليه بَعضُهم لِيَبحَثَ عنه، ويَرُدَّه إليه، وشَغَلتُه عن عَمَلِه كُلِّه بمعنى أنَّ غيابَه عن أبيه طَوالَ يَومٍ جَعَلَه يَنشَغِلُ بالبَحثِ عن سَلمانَ ويَترُكُ ما كان عليه مِن أعمالٍ؛ اهتِمامًا لِأمْرِ ابنِه الذي غابَتْ أخبارُه،
سَادِسًا:والدُهُ يَسْألُهُ قَائلًا :" أينَ كُنتَ؟"
"قال سَلمانُ:" فلَمَّا جِئتُه، قال:" أيْ بُنَيَّ، أين كُنتَ؟ ألم أكُنْ عَهِدتُ إليكَ ما عَهِدتُ؟ " طَلَبتُ منكَ الذَّهابَ لِلبُستانِ ورِعايةَ أرضِنا قُلتُ:" يا أبَتِ، مَرَرتُ بناسٍ يُصلُّونَ في كَنيسةٍ لهم، فأعجَبَني ما رَأيتُ مِن دِينِهم، فواللهِ ما زِلتُ عِندَهم حتى غَرَبتِ الشَّمسُ" قال:" أيْ بُنَيَّ، ليس في ذلك الدِّينِ خَيرٌ، دِينُكَ ودِينُ آبائِكَ خَيرٌ منه" وهذا مِن بابِ حُبِّ الرَّجُلِ ما وَجَدَ عليه آباءَه الأقدَمينَ وتقليدِه لهم تَقليدًا أعمَى؛ فهو يَرى أنَّ المَجوسيَّةَ خَيرٌ مِنَ النَّصرانيَّةِ؛ بسببِ اتِّباعِ الآباء!
سَابِعًا:سَلمانُ يُدَافِعُ عنِ النَّصْرَانِيَّةِ فَيُقَيِّدُهُ وَالِدُهُ
قالَ: "قُلتُ: كَلَّا واللهِ، إنَّه لَخَيرٌ مِن دِينِنا" . قال: "فخافَني"، أي: خافَ أنْ أترُكَ المَجوسيَّةَ وأدخُلَ النَّصرانيَّةَ؛ فجَعَلَ في رِجلي قَيدًا؛ فرَبَطَه بقَيدٍ في رِجلِه حتى لا يَتحَرَّكَ ولا يَخرُجَ مِن بَيتِه، ثم حَبَسَني في بَيتِه.
ثَامِنًا:سَلمَانُ يُرسِلُ خَادِمَهُ للكَنِيسَةِ لِيُخْبِرُوهُ بِقُدُوم تُجَّارٍ مِنَ الشَّامِ
قالَ : "وبَعَثتُ إلى النَّصارى" أي أرسَلَ إليهم خَبَرًا، ولَعَلَّه بَعَثَ إليهم بَعضَ الخَدَمِ مِمَّن كانوا في بَيتِ أبيه مِمَّن يَثِقُ فيهم، وهكذا يُقيِّضُ اللهُ لكل مَن أرادَ الحقَّ مَن يُساعِدُه، فقُلتُ لهم:" إذا قَدِمَ عليكم رَكبٌ"، أي:قافِلةٌ "مِنَ الشَّامِ، تُجَّارٌ مِنَ النَّصارى، فأخبِروني بهم" قال:" فقَدِمَ عليهم رَكبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصارى ؛ حيث كانتِ التِّجارةُ بَينَ بِلادِ الشَّامِ والفُرسِ مُنتَشِرةً، ويَتَبادَلونَ القَوافِلَ والتِّجارةَ على عادةِ ذلك الزَّمانِ قال: فأخبَروني بهم" بمَجيءِ تلك القافِلةِ، فقُلتُ لهم:" إذا قَضَوْا حَوائِجَهم، وأخَذوا ما يَحتاجُونَ إليه مِن بِلادِ فارِسَ، وأرادوا الرَّجعةَ إلى بِلادِهم فآذِنوني بهم"، أي: فأعْلِموني بذلك فلَمَّا أرادوا الرَّجعةَ إلى بِلادِهم أخبَروني بهم.
تَاسِعًا:سَلمَانُ يَفُكُّ وَثَاقَهُ هَارِبًا مَعَ تُجَّارِ الشَّامِ
فألقَيتُ الحَديدَ مِن رِجلي ، وذلك بأنْ فَكَّ قَيدَ الحَديدِ مِن رِجلِه، هارِبًا مِن بَيتِ أبيه. قال سَلمانُ رضِيَ اللهُ عنه: "ثم خَرَجتُ معهم حتى قَدِمتُ الشامَ".
عَاشِرًا:سَلمَانُ يُلازِمُ أسقُفَ الكَنِيسَةِ ،فَيَكتَشِفُ سُوءَهُ
فلَمَّا قَدِمتُ الشامَ قُلتُ: " مَن أفضَلُ أهلِ هذا الدِّينِ؟" قالوا:" الأسقُفُ في الكَنيسةِ وهو الرَّاهِبُ، كَبيرُ النَّصارى في دَيرِهم وكَنيسَتِهم " فجِئتُه، فقُلتُ: "إنِّي قد رَغِبتُ في هذا الدِّينِ ، أي: إنَّه آمَنَ بالنَّصرانيَّةِ، وأحبَبتُ أنْ أكونَ معكَ أخدُمُكَ في كَنيسَتِكَ، وأتعَلَّمُ منكَ وأصَلِّي معكَ" فأراد أنْ يَلزَمَه لِيتعَلَّمَ منه هذا الدِّينَ، "قال: "فادخُلْ. فدَخَلتُ معه، قال: فكانَ رَجُلَ سَوْءٍ"، أي: فكان سَيِّئَ الخُلُقِ، وقَليلَ الدِّينِ؛ وذلك أنَّه كان يأمُرُهم بالصَّدَقةِ ويُرغِّبُهم فيها ، أي: يأمُرُ الناسَ بإخراجِ الصَّدَقاتِ مِن أموالِهم، فإذا جَمَعوا إليه منها أشياءَ وهو مُستأمَنٌ على صَدَقاتِهم وتَوزيعِها على مَن يَستَحِقُّها، ولكِنَّه لِسوءِ خُلُقِه اكتَنَزَه لِنَفْسِه بأنْ أخفاها وأخَذَها لِنَفْسِه، ولم يُعطِه المَساكينَ، حتى جَمَعَ سَبعَ قِلالٍ مِن ذَهَبٍ ووَرِقٍ، والقِلالُ: آنيةٌ كَبيرةٌ مِنَ الفَخَّارِ والخَزَفِ، والوَرِقُ: الفِضَّةُ، قال: "وأبغَضتُه بُغضًا شَديدًا فكَرِهتُه جِدًّا؛ لِمَا رأيتُه يَصنَعُ مِن سُوءِ الخُلُقِ والدِّينِ وجَمعِ الصَّدَقاتِ لِنَفْسِه، "ثم ماتَ، فاجتَمَعتْ إليه النَّصارى لِيَدفِنوه، فقُلتُ لهم: "إنَّ هذا كان رَجُلَ سَوْءٍ؛ يأمُرُكم بالصَّدَقةِ ويُرغِّبُكم فيها، فإذا جِئتُموه بها اكتَنَزَها لِنَفْسِه، ولم يُعطِ المَساكينَ منها شَيئًا" فأخبَرَهم سَلمانُ بأمْرِه لَمَّا ماتَ، قالوا: " وما عِلمُكَ بذلك؟ " قال: " قُلتُ أنا أدُلُّكم على كَنزِه ؛ لِيَكونَ دَليلًا على دَعواه " قالوا: " فدُلَّنا عليه" قال: " فأرَيتُهم مَوضِعَه، قال: فاستَخرَجوا منه سَبعَ قِلالٍ مَملوءةٍ ذَهَبًا ووَرِقًا، "قال: " فلَمَّا رأوْها قالوا:واللهِ لا نَدفِنُه أبَدًا، فصَلَبوه على عَمودٍ على هَيئةِ الصَّليبِ، ثم رَجَموه بالحِجارةِ"فضَرَبوه بها وهو مَيِّتٌ؛ انتِقامًا منه، وتَنقيصًا مِن قَدْرِه.
الحَادِي عَشَرَ: نَصَارَىٰ الشَّامِ يَجْعَلُونَ راهبًا صالحًا خَلَفًا لِمَنْ صَلَبُوهُ
ثم جاؤوا برَجُلٍ آخَرَ، فجَعَلوه بمَكانِه؛ لِيَكونَ راهبًا مَكانَه، يَقولُ سَلمانُ رَضيَ اللهُ عنه: "فما رأيتُ رَجُلًا أفضَلُ منه، أزهَدُ في الدُّنيا، وأكثَرُ بُعدًا عن مَفاتِنِ الدُّنيا والتَّقلُّلِ منها، "ولا أرغَبُ في الآخِرةِ" بالعَمَلِ لها العَمَلَ الصالِحَ والعِبادةَ الخالِصةَ للهِ، "ولا أدْأبُ لَيلًا ونَهارًا منه" بكَثرةِ الصَّلاةِ والأعمالِ الصَّالِحةِ على الدَّوامِ، "فأحبَبتُه حُبًّا لم أُحِبَّه مَن قَبلَه، فأقَمتُ معه زَمانًا" فصاحَبَه مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ، "ثم حَضَرتْه الوَفاةُ،
الثَّانِي عَشَرَ: الرَّاهِبُ الصَّالحُ يُوصِي سَلمانَ بِقِسِّيسٍ مِثْلَهُ بِالمَوْصِلِ
فقُلتُ له:" يا فُلانُ، إنِّي كُنتُ معكَ وأحبَبتُكَ حُبًّا لم أُحِبَّه مَن قَبلَكَ، وقد حَضَركَ ما تَرى مِن أمْرِ اللهِ مِنَ المَوتِ؛ فإلى مَن تُوصي بي؟ وما تأمُرُني؟" قال:" أيْ بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُ أحَدًا اليَومَ على ما كُنتُ عليه مِن حُسنِ الدِّيانةِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، والتَّجرُّدِ للهِ، ولَعَلَّه يُشيرُ بذلك إلى أنَّه كان على التَّوحيدِ للهِ عَزَّ وجَلَّ " لقد هَلَكَ الناسُ وبَدَّلوا وتَرَكوا أكثَرَ ما كانوا عليه مِن أمْرِ الدِّينِ الحَقِّ الذي جاء به عيسى عليه السَّلامُ إلَّا رَجُلًا بالمَوصِلِ وهي بَلدةٌ في العِراقِ، وتَتبَعُ الآنَ مَركَزَ مُحافَظةِ نِينَوَى، وتَبعُدُ عن بَغدادَ مَسافةً تُقارِبُ حوالَيْ 465 كلم، وهو فُلانٌ، فهو على ما كُنتُ عليه؛ فالْحَقْ به، فكُنْ معه ولازِمْه" قال:" فلَمَّا ماتَ وغُيِّبَ ، أي: دُفِنَ "لَحِقتُ بصاحِبِ المَوصِلِ، فقُلتُ له: يا فُلانُ، إنَّ فُلانًا أوصاني عِندَ مَوتِه أنْ ألحَقَ بِكَ، وأخبَرَني أنَّكَ على أمْرِه" قال: " فقال لي: أقِمْ عِندي" فقَبِلَ هذا القِسِّيسُ مُصاحَبةَ سَلمانَ له، قال سَلمانُ رَضيَ اللهُ عنه: "فأقَمتُ عِندَه، فوَجَدتُه خَيرَ رَجُلٍ على أمْرِ صاحِبِه" مِن حُسنِ الدِّيانةِ مع العَمَلِ الصَّالِحِ والعِبادةِ للهِ وحِفظِ الأماناتِ، "فلم يَلبَثْ أنْ ماتَ، فلَمَّا حَضَرتْه الوَفاةُ، قُلتُ له: " يا فُلانُ، إنَّ فُلانًا أوْصى بي إليكَ، وأمَرَني باللُّحوقِ بكَ، وقد حَضَرَكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ما تَرى مِنَ المَوَتِ فإلى مَن توصي بي؟ وما تأمُرُني؟ "
يُتبَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالىَٰ بالجُزْءِ الثَّالِثِ.
وأقرأ أيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق