الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا
طالعَتْ عينايَ، خَبَرًا نُشِرَ بالعديدِ منْ المَجَلَّاتِ الالكترونيَّةِ بمصرَ ليومِ السبتِ الموافقِ ١٢/ ٦ /٢٠٢١م مفادُهُ ما يلي :
أثناءَ عقدِ نكاحِ شابٌٍ مصريٍّ منْ محافظةِ الدقهليةِ، بشمالِ البلادِ فوجئَ بوالدِ خطيبتِهِ يرفضُ كتابةَ قائمةِ منقولاتِ ابنتِهِ، وُيُصِرُّ علىَٰ كتابةِ هَٰذهِ العبارةِ فَقَطْ(مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَىَٰ العِرضِ لَا يُسْألُ عَنْ المَالِ، إتَقِ اللهَ فِي كَرِيمَتِنَا) طَالبًا مِنْ الخاطِبِ أنْ يُوَقِّعَ عليها في واقعةٍ، ولفتةٍ نادرًا ما تحدثُ في مصرَ .
-علمًا بأنَّ الخَاطبَ رفضَ ذَٰلكَ وأصرَّ، وأُسرَتَهُ علىَٰ كتابةِ قائمةِ المنقولاتِ مثلما يفعلُ الجميعُ ، وكمَا هوَ مُتَّبَعٌ في العُرْفِ، لَٰكنَّ والدَ المخطوبَةِ رفضَ ذَٰلكَ أيضًا، وأصرَّ علىَٰ أنْ يُوَقِّعَ الخَاطِبَ علىَٰ الورقَةِ الخاصَّةِ بالقائمَةِ المتضمِّنةِ لتلكَ العبارةِ فقطْ .
فتعالوا مَعِي أَحِبَّتِي الأَكَارِمَ نَتَحدَّثُ بمنهجيةٍ علميةٍ، وفقهيةٍ ، وقانونيةٍ بعيدًا عن الهوىَٰ، والانحيازِ لوجهةِ نظرٍ دونَ الأخرىَٰ، إلَّا إذا كانتْ إحدىَٰ هاتينِ الوجهتينِ (المؤيدةُ لفعلِ الأبِّ /المعارضةُ لهُ) مبنيةً علىَٰ أساسٍ حصينٍ، وعمادٍ رصينٍ مِنْ العلمِ، بقولٍ فصلٍ من تشريعٍ بقانونٍ عامٍ ملزمٍ للجميعِ .
أولًا: أثمنُ غاليًا ثقةَ الأبِ الذي توسَّم خيرًا في شابٍّ نَحسَبُهُ علىَٰ خيرٍ، ولا نُزَكِّيهِ علىَٰ اللهِ حيثُ جعلَ ابنتَهُ (عِرضَهُ، وَشَرَفَهُ) أثمنَ وأقيمَ، وأغلىَٰ لديهِ من أيِّ مالٍ ، أو عِرضٍ زائلٍ من حُطامِ الدنيا، وزينَتِها؛ إذْ منقولاتُ البيتِ منْ أساسٍ، وأجهزة كهربائية لا تَجبرُ كسرًا، ولا تُقيمُ هَدمًا، ولا تُعَوِّضُ موتًا، ولا توازي فوتًا، ولا تُطَيِّبُ خَاطرَ المُفْتَرَقِ لفُرقةٍ بِخُلعٍ، أو فسخٍ، أو تطليقٍ، كما أنَّ الزوجةَ قد تضحِّي بكنوزِ الدنيا، وما تملكهُ يداها مقابلَ النَّجاةِ بنفسها، والفوزِ بخلاصها منْ زوجٍ أجرمَ بحقها لا سيَّما إذا كانتْ المنقولاتُ المنزليةُ ليستْ ضمنَ مهرِ الزوجةِ، بلْ خارجةٌ عنهُ حيثُ إتفقا كِلا الزوجينِ علىَٰ تحديدِ كاملِ المهرِ، وما يشمَلُهُ منْ ذهبٍ ، ومُؤخَّرٍ ، وقد دفعَ الزوجُ ثمنَ تلكَ المنقولاتِ منْ مالهِ الخاصِّ ، ونُصَّ بالعقدِ علىَٰ تَمَلُّكِهِ لهُ عندئذٍ فلا بأسَ بما فعلهُ الأبُّ حيثُ لم تخسرْ الزوجةُ شيئًا بفقدِها تلكَ المنقولاتِ.
فتنصُّ المادةُ( ٣٣) منْ لائحةِ المأذونينَ- في عقدِ الزواجِ الجديدِ - علىَٰ وجوبِ أنْ يُبَصِّرَ المأذونُ الزوجينِ بما يجوزُ لهُمَا الاتفاقُ عليهِ في عقدِ الزواجِ منْ شروطٍ خاصَّةٍ ، منها:
مَنْ تكونُ لهُ مِلكيَّةُ منقولاتُ منزلِ الزوجيَّةِ؟
------------------------------
حيثُ يُحتَملُ أنْ تكونَ المنقولاتُ ضمنَ المهرِ كمؤخرٍ لها، أو جزءٍ مُكَمِّلٍ مُتبقٍ منْ المهرِ ، وبهَٰذه الصورةِ يتمُّ تحديدُ الملكيةُ للزوجةِ لتلكَ المنقولاتِ ، وإذا لمْ تكنْ ضِمنَ باقي المهرِ أيْ خارجَ المهرِ فيتمُّ تحديدُ ملكيةُ الزوجِ لهُ كشرطٍ خاصٍّ يُحَدَّدُ بالعقدِ .
ثانيًا : قد تكونُ الزوجةُ فوَّضَتْ والدَها قائلةً لهُ " زَوِّجني بلا مهرٍ ، أو زَوِّجني بلا مهرٍ لا في الحالِ، ولا بعدَ الوطءِ" وتُسَمَّىَٰ مُفَوِّضة - بكسر الواو - لأنها فوضتْ أمرَها إلىَٰ الوليِّ،
ومُفَوَّضة - بفتح الواو - لأنَّ الوليَّ فوضَ أمرَها للزوجِ، ويصحُ للمرأةِ أن تفوِّضَ للوليِّ بشرطِ أنْ تكونَ رشيدةً.
وحكمُ نكاحُ التفويضُ: أنَّ الوليَّ إذا زوَّجَها فلها مهرُ المِثْلِ بمجردِ الوطئِ ومنْ نقدِ البلدِ المعروفِ ، وبذَٰلكَ هيَ لمْ تخسرْ شيئًا.
ثالثًا : قد تكونُ الزوجةُ وافقتْ لأبيها بالتنازلِ عنْ حَقِّها في المهرِ ، ومنْ ضِمنهِ المنقولاتِ وهَٰذا منْ حَقِّها إذا كانتْ غيرَ مُكرَهةً، وراشدةً طبقًا لحكمِ المادَّةِ رقم «١١» من قانونِ الأحوالِ الشخصيَّةِ والتي تنصُ علىَٰ :
"يجوزُ للزوجةِ البالغةِ العاقلةِ أنْ تُسقطَ كلُّ المَهرِ أو بعضَهُ "
عِلمًا بأنَّ المادةَ رقمَ «١٧» من قانونِ الأحوالِ الشخصيَّةِ نَصَّتْ علىَٰ أنَّ الجِهازَ ملِكٌ خاصٌّ للزوجةِ وبالتالي لها حقُّ التنازلِ عنهُ :
أ- الجهازُ هوَ كلُّ ما اتفقَ الزوجانِ عليهِ ، أو جرىَٰ العرفُ علىَٰ إعدادهِ بمناسبةِ الزواجِ، وللزوجةِ الاشتراكُ فى تجهيزِ بيتِ الزوجيَّةِ، بما يصلُح لانتفاعِ الزوجينِ بهِ فى حياتِهِما الزوجيَّةِ.
ب - والجهازُ مِلكٌ خالصٌ للزوجةِ.
وفي الفقهِ الإسلاميِّ يَسقُطُ كُلُّ المَهرِ في الأحوالِ التاليةِ :
------------------------------
"إذا أبرأتِ الزوجةُ زوجَها من المهرِ كُلِّهِ قبلَ الدخولِ أو بعدَهُ، بشرطِ أنْ تكونَ كاملةَ الأهليَّةِ"
رابعًا: المهرُ ليسَ رُكنًا في عقدِ الزواجِ ، ولا شرطًا من شروطِ صحَّتِهِ ، بلْ هوَ أثرٌ مُتَرَتِّبٌ علىَٰ النكاحِ فيصحُ عقدُ الزواجِ ولو لمْ يُنصُّ في العقدِ علىَٰ مهرٍ، أو نُصَّ فيهِ علىَٰ مهرٍ صوريٍّ، وعلىَٰ ذلكَ فبمجردِ عقدِ النكاحِ تستحقُ الزوجةُ مهرَ المِثْلِ، ويجبُ لها قبضُ مهرِ المِثْلِ بالوطيءِ، أو الطلاقِ بعدَ الدخولِ ، أو موتِ الزوجِ إذن لا مشكلةَ أيضًا بعدمِ تحديدِ الأبِّ قائمةَ المنقولاتِ التابعةِ لمهرِ الزوجةِ لأنَّهُ عندَ الاختلافِ يُقَرِّرُ لها القاضي مهرَ المِثلِ فتحصلُ علىَٰ مَهْرِها .
* * *
لكنْ ليَ عدةُ مآخذٍ اعتراضيَّةٍ علىَٰ الأبِ كوليٍّ لابنتهِ المفترضِ أنَّهُ يقضي لها أمرَها، وييسرُّ علىَٰ أتمِّ وجهٍ حالها ، وأحسنِ وضعٍ شأنها، خاصةً إذا كانتْ قائمةُ المنقولاتِ ضِمنَ المهرِ (الصداقُ) المُتَّفَقُ عليهِ قبلَ العقدِ.
أولًا: لا تعارضَ بينَ كونِ المُؤتَمَنِ بالعِرضِ مسؤلًا عنْ المالِ ، إذ الجهةُ مُنْفَكَّةٌ فلا تلازُمَ بينَ الاتئمانِ بالعرضِ، وعدمِ سؤالهِ عنْ مالِ زوجتِهِ، وغيرِهِ منْ سائرِ حقوقِها لا سيَّمَّا إذا لمْ يكنْ هذا المالُ مالَهُ، بلْ مالُ الزوجةِ، وحقِّها، وما هوَ إلَّا حائزٌ لهُ تحتَ سيطرتهِ بالانتفاعِ.
-إذن كُلُّ النَّاسِ قابلةٌ للسؤالِ عنْ مالِ الغيرِ، وغيرهِ فلا فرقَ بينَ مؤتمنٍ بعرضٍ وخلافهِ.
-ثانيًا : بالدليلِ القاطعِ، وبالبرهانِ الساطعِ ائتمنَ النَّبيُّ - ﷺ -وليسَ ثَمَّةَ أفضلَ من النَّبيِّ- ﷺ - كائنًا من كانَ- ثلاثةَ رجالٍ لهُ بهم قرابةً ، ونَسَبًا بإنكاحِهِم ثلاثةً من بناتِهِ؛ حيثُ زوَّجَ- ﷺ - ابنتَهُ الأولىَٰ - السيدةُ- زينبُ منْ أبي العاصِ بنُ الرَّبيعِ (ابنُ خالتِها)، وزوَّجَ - ﷺ -ابنته الثانيةُ- السيدةُ- رُقَيَّةُ من ْ(عُتْبَة) بنُ أبي لهبٍ، وزوَّجَ- ﷺ - ابنتَهُ الثالثةُ- السيدة- أمُّ كلثومٍ منْ (عُتَيْبَةَ) بنُ أبي لهبٍ ، فَصَانَ ثقةَ النَّبيِّ - ﷺ - رجلٌ واحدٌ هوَ أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ ، وخانَ ثقتَهُ - ﷺ -أبناءُ العمومَةِ (عُتْبَة)و(عُتَيْبَة) فلمْ يُراعِيا عَهْدًا، ولمْ يَصدُقا وُدًّا، ولمْ يَصونا قُربًا، ولمْ يَصلا رَحِمًا بخيرٍ؛ حيثُ طَلَّقا ابنتي النَّبيِّ - ﷺ - بمجردِ نزولِ الوحيِ عليهِ وتكليفهِ بالرسالةِ، فهلْ منْ مُتَّعِظٍ، وهلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟
ثالثًا: مهما يكنْ من معرفةِ الأبِّ بالزوجِ، ودرجةِ قرابتِهِ لهُ ، وحُسنُ أخلاقِهِ، وأدبِهِ، وتدينِهِ ليسَ مُسَوِّغًا لهُ التفريطَ فيما لا يملكُ ، وإعطاءِ مالا يَحِقُّ لهُ التَّصَرُّفَ فيهِ بالدليلِ الشَّرعِيِّ منْ قرآنٍ ، وسُنَّةٍ ، وفِقهٍ ، وآثارٍ ، وقانونٍ مُلزمٍ بذلكَ ؛ إذْ نَصَّ كُلُّ ما سبقَ علىَٰ أنَّ الصَّداقَ أو المهرَ ومنهُ المنقولاتِ هوَ حقٌّ أصيلٌ للزوجةِ فقطْ دونَ غيرِها، ولها حقُّ تملُّكِهِ ، وهبتِهِ ، والتنازلِ عنْ بعضهِ، أو كلِّهِ، أو تأجيلُ بعضِهِ ، أو كلِّهِ لكنْ هيَ فقطْ، وبمحضِ إرادتِهَا دونَ غيرِها.
فالصداقُ - ويُسمَّىَٰ المهرُ – حقٌّ للمرأةٍ ؛ لقولهِ تعالىَٰ : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء/4 ، و (نِحلة ) : أي : عطيةٌ واجبةٌ عنْ طيبِ نفسٍ .
وعنْ سهلِ بنُ سعدِ الساعديِّ : أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ جاءَتْه امرأةٌ، فقالتْ : يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد وَهَبتُ نَفْسي لكَ، فقامَت قيامًا طويلًا، فقامَ رَجُلٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، زَوِّجْنيها إنْ لم يكنْ لكَ بها حاجةٌ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: هل عندَكَ من شَيءٍ تُصدِقُها إيّاهُ؟، فقالَ: ما عندي إلّا إزاري هَٰذا، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: إنْ أعطَيْتَها إيّاهُ جَلَستَ لا إزارَ لكَ، فالتَمِسْ شيئًا، فقالَ : ما أَجِدُ، فقالَ ﷺ : التَمِسْ ولو خاتمَ حديدٍ، فالتَمَسَ فلم يَجِدْ شيئًا، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ: هلْ معكَ منَ القُرْآنِ شَيءٌ؟، قالَ : نَعَمْ، سورةُ كذا وسورةُ كذا، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: قد زوَّجْتُكَها.
- حيثُ زَوَّجَهُ الرَّسولُ ﷺ بقصارِ السورِ منْ القرآنِ مثلَ قلُ هوَ اللهُ أحدٌ ،ولمْ يزَوَّجُهُ بلا مهرٍ، وكانَ يستطيعُ فعلَ ذَٰلكَ لَٰكنَّهُ لمْ يفعلْ . ( إسنادُهُ صحيحٌ علىَٰ شرطِ الشيخَيْنِ)
-ولا حرجَ في كونِ الصَّداقِ ذهبًا، أو نُقودًا، أو أثاثًا، مُعَجَّلًا، أو مُؤَجَّلًا، أو بَعضُهُ مُعَجَّلًا، وبَعضُهُ مُؤَجَّلًا، بحسبِ ما يتفقُ عليهِ الزوجُ وولِيُّ المَرأةِ.
رابعًا-أظنُّ أنَّ الأبَّ قد رأىٰ بالشابِّ بعضَ ما رأتُهُ إحدىٰ ابنتي شُعيبٍ، ووالدُها بسيدِنا موسىٰ عليهِ ، وعلىٰ نبيِّنا الصلاةُ والسلامُ، بلْ ما رآهُ نبيُّ اللهِ شُعَيبٌ بنبيِّ اللهِ موسىٰ أكثرَ ، وأفضلَ ، وأقيمَ ، وأرقىٰ، وأعمقَ، وأصدقَ، ومعَ ذَٰلكَ لمَّا عَرَضَ الأبُّ الزواجَ علىٰ سيدِنَا موسىٰ من بنتِهِ لمْ يُزَوِّجْهُ مِنهَا بلا مَهرٍ؛ حَيثُ اشترطَ علىٰ موسىٰ العملَ لديهِ أجيرًا لأيًّ الأجَلَيْنِ ثمانيَ سنواتٍ، أو عشرًا معَ عِلمهِ بفقرهِ الشديدِ ، وأنَّه قد جاءَ بلا مأوىٰ، ولا مالٍ ، وكانَ خائفًا يترَقَّبُ النيلَ منهُ .
-أمَّا هَٰذا الأبُّ فقد فعلَ ما لمْ يفعلْهُ سيدُنا شُعَيبٌ معَ سيدِنا موسىَٰ معَ أنَّهُما نبيَّينِ ؛ فالأبُّ توسَّمَ في الشابِّ الخَيْرِيَّةَ، والمروءةَ بوقتٍ تلاشتْ فيهِ القيمُ ، وانعدمتْ بهِ الأخلاقُ ، والمروءةُ، فقد ألقَىٰ بعاتقِ الشابِّ مسئوليةً تنوءُ الجبالُ بحملِهَا؛ فهلْ يتحمَّلُ الشابُّ هَٰذهِ الأمانةَ ، ويكونُ أهلًا لتلكَ الثِّقَةِ ؟
هَٰذا بعلمِ اللهِ ، فلا علمَ لأحدٍ كائنًا منْ كانَ ؛ حتَّي ولوْ كانَ ملاكًا مُقَرَّبًا، أو نبيًا مُرسلًا فلمَ الاعتمادُ علىٰ ما بغيبِ اللهِ طالما يقينُ اللهِ تعالىٰ لنا بحاضرِ الأيامِ ،منْ علمٍ ، وفقهٍ، وقانونٍ، وآثارٍ دَلَّتْ، وشَهِدَتْ بما نقولُ، وما اكتسبناهُ منْ واقِعِنا المريرِ موجودًا، وثابتًا حتي ولو توسَّمنا خيرًا، وأحسَنَّا الثِّقَةَ بهَٰذا الشابِّ.
فستسفرُ الأيامُ القادمةُ، وتُبدِي لنا ما يُخفيهِ اللهُ عنَّا لهَٰذا الشابِّ .
خامسًا : (مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَىَٰ العِرضِ لا يُسْألُ عَنْ المَالِ) هَٰذهِ جملةٌ خبريةٌ، والخبرُ فيها يحتملُ الصدقَ، والكذبَ لذاتِهِ يعنِ ببساطةٍ قد يكونُ الخبرُ صادقًا فلا يُسألُ المُؤتَمَنُ بالعرضِ عنْ المالِ، وقد يكونُ كاذبًا، وعندئذٍ يُسألُ ويُحقَّقُ معَهُ، ويُستَجْوَبُ، ويُطالَبُ بِكُلِّ مِلِّيمٍ.
-إذن هَٰذهِ القضيةُ ليستْ كلِّيَّةٌ؛ فلا يصحُّ فيها التعميمُ بقولِنا (كُلُّ مُؤْتَمَنٍ عَلَىَٰ العِرضِ لا يُسْألُ عَنْ المَالِ) ولَٰكنَّها قضيةً جزئيةً؛ إذ يستقيمُ عقلًا، ونقلًا، وعرفًا، وشرعًا، وفلسفةً، ومنطقًا أنَّ (بعضَ المُؤْتَمَنٍ عَلَىَٰ العِرضِ لا يُسْألُ عَنْ المَالِ)
ينما ، البعضُ الآخرِ يُسألُ عنهُ ،
-بلْ أفاجئُ أسماعَكُم، وأشحذُ انتباهَكُم، وأسترعي بصائرَكُم بقولي ( كُلُّ البشرِ يُسألونَ عنْ المالِ مؤتمنٍ، وغيرهِ) لا سيَّمّا إذا كانَ هَٰذا المالُ ليسَ حقًّا لهُ ، بلْ في حوزَتِهِ ، وهوَ حارِسٌ لهُ ، أو مُنْتفِعٌ بهِ ، لَٰكِنَّهُ حقٌّ لغيرهِ عندئذٍ منْ حقِّ صاحبِ المالِ أو مَنْ ينوبُ عَنْهُ أنْ يُسائِلُه عنْ مالهِ كيفمَا، ووقتَما، وحيثُما وبأيِّ مكانٍ شاءَ .
-إذن القضيةُ ليستْ عامةٌ؛ فلا تصلحُ للتعميمِ، ولا يجوزُ أنْ ندعَمَها هَٰكذا عامةً حتي لا تساقُ للكُلِّ بالتطبيقِ ، كما لا يجوزُ أن نهدِمَها، لكنْ يُقَدَّرُ الأمرُ بقَدْرِهِ، ويُوضَعُ بنصابهِ، ويُحَجَّمُ بحجمهِ ، ويُكالُ بكيلِهِ، ويوزَنُ بوزنهِ .
سادسًا : الطامَّةُ الكبرىٰ هوَ إضاعةُ الأبِّ لمالِ ابنتهِ بِحُسنِ نيتَّهِ وطيبِ سَريرَتِهِ ففرَّطَ دونَ أنْ يدري بحَقِّها في امتلاكِها وتمكِينِها منْ قائمةِ منقولاتِها بعدمِ كتابتِهِ لتلكَ القائمةِ تحتَ شِعَارِ (مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَىَٰ العِرضِ لا يُسْألُ عَنْ المَالِ)
لأنَّهُ طِبقًا لنَصِّ المادَّةِ رقمِ «١٧» من قانونِ الأحوالِ الشَّخصيَّةِ
(المنقولاتُ جزءٌ منْ المهرِ ، وبالتالي هوَ حقٌّ للزوجةِ دونَ غيرِها، وقد تَكونُ قيمةُ المنقولاتِ أثمنَ، وأغلىٰ منْ مهرِ المِثلِ؛ فحتَّي ولو قررَ القاضيَ لها مهرَ المِثلِ لعدمِ تسميةِ المهرِ وتحديدهِ فلا يَفي، ولا يُغَطِّي قيمةَ المنقولاتِ وبذَٰلكَ يكونُ الأبُّ تسبَّبَ في خسارَتِها قيمةَ المنقولاتِ حتَّي ولو أخذتْ مَهْرَ المِثْلِ.
فكأنَّه عطاءُ منْ لا يَملِكُ لمنْ لا يَستحقُّ لأنَّ القائمَةَ حَقٌّ أصيلٌ للزوجةِ بنصِّ المادةِ رقمِ «١٧» من قانونِ الأحوالِ الشَّخصيَّةِ.
-فيا أيُّها الآباءُ ، ويا أيُّها الأولياءُ رِفْقًا ببناتِكُنَّ، فما خَلقهُنَّ اللهُ تعالىٰ، وجعلكُمْ أولياءَ لهنَّ، وأوصياءَ عليهنَّ لتُضَيِّعُوا حقوقَهُنَّ فعنْ عبدِ اللهِ بنُ عمروٍ : "قالَ كفىٰ بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ منْ يَقوتُ "السيوطي (ت ٩١١)،صحيحُ الجامعُ الصغيرِ ٦٢١٩.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق