بقلم الروائى الكبير/ محمود عرفات |
عرفت سعد القرش في ظرف استثنائي. كنت قد انتهيت من كتابة روايتي "سرابيوم" بعد عشر سنوات من المعاناة، وأبحث عن طريقة لنشرها. وفي ظهر يوم حار من أغسطس عام 2015 كنت أتحدث مع الكاتب الأستاذ الراحل فؤاد حجازي عبر الهاتف فسألني: ماذا فعلت بسرابيوم؟ قلت له: مازلت أبحث وأفكر. سكت لحظة ثم هتف: اسمع.. اذهب إلى دار الهلال وقابل سعد القرش واعرض عليه الرواية. قاطعته: من سعد القرش؟ فقال: رئيس تحرير روايات الهلال.
الروائى الكبير سعد القرش |
الحقيقة أنني ترددت وتشككت، بسبب ما كنت أسمعه من حكايات مؤلمة عن نظام العمل في تلك الدار الصحفية المحترمة والعريقة. وخاصة بعد ترك صديقي العزيز عبد القادر شهيب رئاسة مؤسسة دار الهلال. لاحظ فؤاد حجازي ترددي فقال مشجعًا: اذهب إليه وسأكلمه. استقبلني سعد القرش في دار الهلال بحفاوة تليق بابن بلد أصيل، وقال إن فؤاد حجازي يقترح أن تنشر الرواية في ذكرى الانتصار العظيم في أكتوبر، لكنه لا يتوقع ذلك بسبب برنامج الطباعة المزدحم، خاصة وأنه لم يبق على أكتوبر سوى أقل من شهرين. سلمت سعد القرش الرواية مطبوعة مع اسطوانة مدمجة للنص؛ فطمأنني قائلًا: نقرأ ونشوف. بعد ثلاثة أيام فقط طلبني على الهاتف وقال إنه قرأ الرواية فأعجبته. ثم فاجأني بقوله إنه سينشرها في أكتوبر، فطرتُ من الفرح. قال لي: في النص أربع جمل تحتاج لتعديل. أملاني الجمل الأربع، وطلب أن أقوم بالتعديل وإعادة طبع النص على اسطوانة وتقديمها في أسرع وقت. حادثت فؤاد حجازي وأبلغته بما تم فقال هات ورقة وقلم واكتب. أحضرت ورقة وقلم، فأملاني تقريرًا بتزكية الرواية وصلاحيتها للنشر، وطلب أن أسلم هذا التقرير لسعد القرش، باعتباره الخطوة الأخيرة قبل الدفع بالرواية إلى المطبعة. ملاحظات سعد القرش الأربع كانت صائبة. عدلت النص وضبطته وذهبت بالاسطوانة المدمجة الجديدة حيث قابلت الرجل الذي أكد لي أن الرواية ستصدر في أكتوبر.
في الخامس عشر من أكتوبر 2015 حضرت مناقشة ابنتي لرسالة الدكتوراة في التخدير والعناية المركزة بجامعة المنوفية وعدت إلى طنطا بصحبتها ومررت بفرع دار الهلال لأجد أن رواية سرابيوم صدرت بالفعل وتسلمت النسخ الخاصة بالمؤلف. فكانت الفرحة مضاعفة في هذا اليوم الجميل.
في الثامن عشر من يناير 2016، وأثناء مناقشة الرواية في نادي القصة بالقاهرة، وقف أحد أعضاء مجلس إدارة النادي وسألني سؤالًا مباشرًا: كم دفعت لدار الهلال لكي ينشروا لك الرواية؟ فقلت له وأنا أعلم ما كان يحدث قبل تولي سعد القرش رئاسة تحرير روايات الهلال: لم أدفع شيئًا، ولكني صرفت مكافأة النشر كاملةً، واشتريت بها نسخًا من الرواية.
في ربيع 2020، كنت أستعد لنشر مجموعتي القصصية الأخيرة "محطات للغياب". فأرسلت لسعد القرش المجموعة لكي استرشد برأيه، فقدم لي ملاحظات قيمة أفادتني في ضبط النص في صورته الأخيرة. ولأنني اعتدت أن أقدم الشكر لقرائي الأوائل في الصفحة التي تلي صفحة الإهداء مباشرة، فقد سألته عن الصفة التي يحب أن أقدمه بها، هل هي الصحفي أم الروائي، فقال بهدوء المبدع الأصيل: الصحفي صفة مؤقتة مقترنة بعملي في الأهرام، لكن صفة الروائي هي التي أحب أن تقترن باسمي.
علمت أن سعد القرش أصدر رواية جديدة باسم المايسترو فحادثته وطلبت أن أقرؤها فسارع بإرسالها بالبريد الإلكتروني، وفاجأني بأن أرسلها بصيغة الوورد وليس بصيغة البي دي إف، فشعرت بالامتنان للرجل الذي ائتمنني على نصه البديع.
طلبت من صديقي العزيز "جوجل" أن يدلني على المواقع التي ينشر فيها سعد القرش مقالاته، فأشار إلى رصيف 22 الذي زرته وتابعت من خلاله كتاباته الكاشفة في قضايا الفن والسينما والحرية، والفاضحة لرموز التطرف والإرهاب، والمطاردة لكل مظاهر الزيف والفساد في بلدنا.
مرحبًا بك يا أستاذ سعد.. شرفتنا.
12 من أغسطس 2022م محمود عرفات
هذا هو.. أرجو أن يكون كافيا.. تحياتي ومحبتي يا أخي العزيز.
وأقرأ أيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق