ضفافنا ملتقى لمبدعى ومثقفى وعلماء ونجوم كفرالزيات, ولا يدخلها إلا المثقفين

السبت، ديسمبر 11، 2021

صديقتى الأمريكيه .. قصه قصيره للقاص والروائى الكبيرالأستاذ/على الفقى المحامى ابن كفرالزيات

الأستاذ/ على الفقى المحامى والروائى الكزداوى الكبير


على الفور قبلت صداقة هذه الفتاة الأمريكية الفاتنة, ومن يرفض صداقة فتاة شقراء عيونها زرقاء وشعرها أصفر؟

سألتنى فى أول رسالة عن وظيفتى وحالتى الأجتماعية, وكعادة أى رجل شرقى فقد قلت لها كل شىء,عن كونى موظف بسيط فى مصلحة حكومية, وأننى أرمل وأرعى ولدين فى التعليم الجامعى, لى شقيق  بالعراق, منذ سنوات انقطعت أخباره عننا.

وأرفض الزواج من أخرى لضيق ذات اليد , أخشى الإرتباط بامرأة أخرى لأحافظ على توازن الشعور عند الولدين, أستأجر شقة صغيرة غرفتان وصالة وحمام ومطبخ , كل ولد فى غرفة, كى لا يتشاجرا وأنا أنام على كنبة فى الصالة, أحافظ على الصلاة فى أوقاتها قدر استطاعتى.

أغلقت الجهاز واستسلمت للتفكير فى وجهها الملائكى حتى غلبنى النعاس.

فى اليوم التالى وجدت رسالة منها ( أعتذر منك يا صديقى فأمى مريضة ومشغولة بها )

عدة أيام أترك لها رسائل للإطمئنان على والدتها وعن أحوالها, وأشرت عليها أن تأتى إلى مصر للإستشفاء, مع علمى التام أن الطب فى أمريكا أفضل وأكثر تقدما .

(1)

صديقى العزيز..

أنا سعيدة جدا بمعرفتك وصداقتك, كان بودى من زمن أن أصادق إنسان مثلك, صريح مثلى, أبوح له مما أشعر به وأصارحه, أقول له أسرارى,وأنا مطمئنة لك وأشعر بالثقة تجاهك.

كم أسعدتنى رسالتك التى تغلفها الشفافية التى أقنعتنى بوحدتك فى فكرك وروحك, هذه الروح التى هامت حولى وأنت تسأل عن والدتى المريضة البعيدة عنى والتى تراعيها شقيقتى الصغرى وأتابعها أنا تليفونيا, شكرا لك على اهتمامك.

أعتقد أنك شخص رائع, رائع حقا, هل تدرك كم أشعر بروعتك ؟ وأنا جندى أمريكى أقاتل هنا فى أفغانستان, لا تزال أفغانستان خطيرة ونحن نواصل قتال المجموعة الإرهابية هنا, كان هناك هجوما بالعبوات الناسفة على دبابات الناتو منذ أيام قليلة, وفقد ثلاثة جنود حياتهم, وأنا الحمد لله نجوت بأعجوبة .

سوف أشكرك أكثر وأحضنك عندما أراك قريبا, أفكر جديا بزيارة القاهرة عندما تهدأ الأحوال .

فقط تذكرنى فى صلاتك دائما ..لك قبلاتى .

............................................................

أخذت قبلاتها فى حضنى, وظل طيفها فى عقلى وروحى, مبتسما أغمضت عينى مفكرا فى الرد الذى أرسله لها ومدى الشعور الذى إجتاحنى ,أحاول مبتعدا عن الخوض فى الحروب والإرهاب والحديث فى السياسة, فقط أتحدث عن المشاعر والعاطفة والصداقة, العلاقات الأنسانية أهم فى كل الأحوال .

( صديقتى الغالية :

أشكرك من كل قلبى على الكلام الجميل الذى زينت به رسالتك عنى, أنا إنسان بسيط جدا ولست رائعا بالقدر الذى ذكرته,وأحب أن أعيش الحياة فى سلام وأمان, وليس لى أية اهتمامات تبعدنى عن مهمتى الأساسية فى الحياة وهى مستقبل أولادى وأمانهم , فأنا بعيد كل البعد عن الحديث فى السياسة والحروب .

ولك منى كل التمنيات الطيبة ولوالدتك الشفاء وتمام الصحة )

( صديقتى العزيزة :

قد انشغلت عليك جدا طوال اليومين الماضيين, فلم تردى  على رسالتى الفائتة, طمأنينى عليك وعلى والدتك .. لعلها بخير .. فأنا أدعو لها كل صلاة )

( صديقتى الجميلة :

أنشغلت عليك جدا, طوال  الأسبوع الفائت, فقد شغلت حيز تفكيرى طوال الليل وحتى أثناء عملى بالنهار, ماذا حدث فى تلك الحرب على الإرهاب ؟ هل أنت بخير ؟

أرجو أن ترسلى رسالة ليرتاح قلبى )

(2)

مرحبا بك عزيزى ..

شكرا على حبك لى ورعايتك, لقد كنت مشغولة جدا للغاية بالعمل واللقاء مع رؤسائى والقيادة وزملائى وزميلاتى الجنود .

أحب أن أعرفك بأننى لست سعيدة اليوم حقا, لقد قابلت قائدتى التى وجهت أمرا بأرسال خمسة جنود إلى سوريا للقيام بمهمة خاصة, أنا حزينة وقلقة لأن سوريا أكثر خطورة من أفغانستان, والوضع هناك حرج جدا , أنا أصلى للذهاب والعودة آمنة دون ضرر .

قبلاتى .. ودعواتك .

...................................

للمرة الثانية احتضنت قبلاتها وتجاهلت تأخر الولدين خارج المنزل حتى انتصف الليل, كان أحدهما قد وضع لى قطعة الجبن ورغيف واحد على الطاولة الصغيرة بجوار جهاز الحاسوب .

لم أنم إلا عندما عادا الولدان ودخل كل منهما غرفته, تركتهما دون نقاش فى هذا الوقت المتأخر الذى اقترب من الفجر .

(عزيزتى الجميلة ..

بدأت أنشغل وأتابع ما يحدث فى سوريا, خاصة وقد امتلأت مدننا باللاجئين السوريين, لا أبالغ إذا قلت لك أنهم ملايين, خلاف من نزحوا إلى بلدان أخرى عربية وأوروبية ومن غرقوا أوتعرضوا للغرق أثناء الهجرة غير الشرعية,  إنه يشبه سيناريو ما حدث فى العراق مع اختلاف بسيط فى التفاصيل,انتهى إلى إعدام صدام حسين فى يوم عيد الأضحى , كأنه رسالة للعالم الثالث بأن إنتبهوا مصيركم أضحية, والقلق يساورنى بل يصل إلى حد الرعب عندما أسمع فى نشرات الأخبار عن ما يحدث فى سيناء والهجوم على كمائن الجنود وقتلهم , انها حرب كبرى مع الأرهابيين .

عزيزتى .. قلبى يحدثنى عنك كثيرا وأتخيلك فى غير الملابس العسكرية التى تبدين بها فى صورتك على صفحة التواصل, أرجو أن ترسلى صورا لك مختلفة, فإن هذا الجمال لايصح أن يغلف فى أفرولات عسكرية قاتمة .)

(3)

عزيزى الجميل الطيب..

وحشتنى جدا , آمل أن كل شىء على مايرام, أنت أصبحت مصدر سعادة لى منذ أن عرفتك ورأيت صورك المختلفة الجميلة أثناء تجوالى فى صفحتك العظيمة, وأصبحت مصدر الطاقة الأيجابية لى,وأصبحت المصير بالنسبة لى لأننا سنساعد بعضنا البعض,ولا تقلق بشأن الوضع فى سوريا فمن السهل لنا السيطرة على الدواعش والإرهاب والفتن الطائفية الإسلامية,وليس الحال كما كان فى العراق خلافات سياسية وأسلحة كيماوية ! فذلك إستوجب التفكير سنوات للقضاء على نظام فاشى كامل, وأعتقد أن الخلافات السياسية والعقائدية الموجودة الآن فى بغداد فى سبيلها للحل والإستقرار .

لا لا ..دعك من الحديث فى هذه الأمور كما تحب ..ولإعلامك بذلك أريد أن أخبرك عن سرى الكبير, أوعدنى حبيبى أن ما بيننا سيصبح سرا بينى وبينك, ثقتى فيك كبيرة وليس لها حدود .

ما أريد التحدث به إليك هو حياتى, سوف أخبرك لاحقا بهذا السر وأنا متأكدة أننى أستطيع الوثوق والتضحية من أجلك .

وشكرا على نصيحتك لى, فأنا بالفعل أفكر فى الإستقالة من الجيش وأحضر إليك فى القاهرة, وقد تحدثت مع أمى تليفونيا فى هذا الأمر .

سأرسل لك بعض صورى فى الحياة المدنية , أتمنى أنها تنال إعجابك .

أثق بك يا صديقى وحبيبى .. لك قبلاتى الحارة وأحضان الشوق.

.............................................................................

جميلة جدا ..مبهرة فى هذه الصور, بمايوه بكينى على الشاطىء, مفاتنها صارخة وهى بقميص النوم القصير أو المفتوح من الأمام والأجناب, جلستها المثيرة وهى تحتضن الكلب ..

هى الإثارة التى اجتاحت كيانى وأنا على أعتاب الستين, ضاع العمر سدى بدون متعة حقيقية, عمل وإجتهاد وضمير وزواج متأخر, أولاد ومسؤلية ومرض ثم موت الزوجة وتركها لى أصارع حياة فارغة وأفكار مختلفة, إختناق مادى وتفكير وترتيب يومى لمهادنة المعيشة, لا  أصدقاء حقيقيون ينصتون ويبدون حلولا, أنهم أنفسهم يبحثون عن المنصت والحلول ,الحياة صارت فى مدار حلزونى يلتف حول رقابنا إلى أن نموت .

ماهو هذا السر ؟ وهل لم تجد غيري تثق فيه ؟ ستتركنى في حيرة حتى تعترف به.

لكن ما المانع أن أكون نداء قلبها, وسرها وحبيبها وثقتها ؟

إنها فرصة – على الأقل – لتحسين المستوى, أو لمستقبل الولدين فى العمل بأمريكا, إنه الحلم الأبدى للشباب, سيفرحون كثيرا بهذا الخبر, وسيجتهدون للإنتهاء من الدراسة , والهجرة الى أمريكا .

( حبيبتى .. إسمحى لى أن أناديك حبيبتى .

سعادتى برسالتك جعلتنى أشعر بأننى عدت بالزمن عشرين سنة على الأقل, كيانى وروحى اختلفا, وبقدر حزنى على الماضى, بقدر فرحتى بك كفرحة الطفل التائه بعودته لصدر أمه, عندما قرأت أنك ستتركين الخدمة بالجيش وتأتين القاهرة ..لن أسألك عن السر حتى تبوحى به من تلقاء نفسك,  عندنا يقولون سرك فى بير, إطمأنى حبيبتى فإن أسرارك ستكون فى أعماق بئر سحيق .

أنا الآن شابا فى الثلاثين ولست عجوزا على مشارف الستين .

فى انتظارك .. لك كل شوق الماضى والمستقبل وأحضانى الحارة .

 

(4)

حبيبى الغالى ...

أنا سعيدة جدا اليوم لأننى أشرت على والدتى تليفونيا , وهى الأخرى إطمأنت إليك ووثقت بك, وها أنا سأطلعك على سرى, على أمل أن لا تخوننى, سامحنى ,ولا تخيب أملى أبدا

لمجرد الثقة التى أقبلت عليك بها .

لقد انتهيت من مهمتى هنا فى أفغانستان وسأعود قريبا إلى أمريكا,  فقد اقتنعت من حوارنا بأننى لا أصلح جندية بالجيش, تقدمت باستقالتى والقادة يبحثونها, لكننى فهمت من رؤسائى بأنهم سيقبلونها, وسمعت بعض الأخبار عن انسحاب قواتنا تدريجيا وترك كابول نهائيا .

وبعد قضاء عدة أيام فى أمريكا مع والدتى سأحضر للقاهرة ونبدأ حياتنا معا, ممكن تحضر والدتى معى أو أتركها لأختى الصغرى, سأرى الوضع الأنسب .

أثناء عملى فى أفغانستان تمكنت من توفير مليون دولار أمريكى , عندما نقاتل الإرهابيين ونقتلهم ونهزمهم نعثر على أموال كثيرة أراد الإرهابيين إستخدامها لشراء الأسلحة التى يقتلون بها الطيبون أمثالك ياحبيبى ...

نحن عادة نتقاضى أجورنا من الحكومة الأفغانية, أو السورية أو من المملكة السعودية, أو من حكومة دولة قطر وخلاف هذه الدول ..

وأنا قادرة على الإدخار وأخفاء الأموال بشكل جيد.

سأرسل إلى سوريا مع قليل من زملائى ثم أعود من هناك إلى أمريكا, ولا يمكننى السفر بالمال بسبب الخطر فى سوريا نظرا لطبيعة وظيفتى كجندى فى صفوف الجيش الأمريكى, لا يمكننى أخذ وحمل صندوق المال لأننى كجندى لا يفترض أن يكون بحوذتى هذا المبلغ الضخم.

عزيزى الحبيب ..

أود ارسال هذه  الأموال إليك .

وسأوصلها بأمان تام حتى أعود إليك.

هذا ما أود منك أن تفعله

بمجرد استلامك هذه الأموال أنت تحصل على ربع هذا المبلغ, و10% لبيوت الأيتام, والباقى تحتفظ به معك لبدء الإستثمار حين نلتقى فى القاهرة, وأتمنى الإستثمار فى سوبر ماركت والمواد الغذائية, وأعمال تجارية أخرى مربحة .

وأحب أطمئنك وأؤكد لك أن هذه الصفقة مربححة ونجاحها مضمون وخالية من المخاطر تماما فلا تخاف أبدا, ولن تندم على هذه المساعدة لى .

لك كل القبلات الحارة وأحضانى التى تغمرك, كما يغمرنى حضنك كل مساء.  

...........................................................

كم أوقدت الكثير من شموع الشجاعة والمروءة والصبر والصمت, كلما انطفأت شمعة أشعلت غيرها .

 

(5)

مرحبا عزيزى ..

حبيبى ..أتمنى أن تكون بخير .

لقد استفسرت من زميل لى كان قد أرسل بالفعل مبلغ كهذا عن طريق شركة توصيل حقيقية, أخذنى إلى مكتب شركة تقديم الدبلوماسيين الذى قام بإرسال مبلغ أكبر من هذا لصديق له فى تونس يثق به .

ولقد قمت بالترتيب معهم وأريد منهم تسليم المبلغ إليك يوم الأربعاء القادم , أى خلال اربعة أيام ياحبيبى, وأسافر سوريا فى نهاية الأسبوع .

كنت أرغب فى إرسال الأموال إليك من خلال التحويل المصرفى, لكن هذا غير ممكن بسبب العقوبات الغريبة, السياسة المصرفية هنا صعبة جدا وصارمة بشكل أساسى منذ بدء الأزمة, فلا يمكن إرسال أموال من بنك أفغانى إلى بلد آخر, بالتالى فأن الخيار الوحيد إرسال الأموال عن طريق شركة تأمين التوصيل الدبلوماسى لتتلقاها.

حبيبى الأمين المخلص ..

يبدو أن هذه الشركة كما علمت أكثر سرعة وأمانا .

لدى ثقة فيك حبيبى الغالى وأنك لن تخيب أملى وتخوننى .

أريدك أن ترسل لى إسمك كاملا, ورقم هاتفك الذى سيستخدمه وكيل شركة النقل للإتصال بك عند وصوله إليك للتسليم وعنوان التسليم .

تذكرنى فى صلواتك ودعواتك حبيبى .

سأسافر سوريا أيام قليلة ومنها إلى أمريكا .

أنا متوترة من الذهاب إلى سوريا حبيبى, أرجو أن لا تسافر سوريا حتى لو أتيحت لك الفرصة حبيبى .

عزيزى قبلاتى وأحضانى ..

...........................................................

حبيبى وحياتى ...

ليس لديك ماتخشاه .

سوف أبلغك عند مغادرة وكيل شركة التوصيل, أرسل لى عنوانك كاملا الذى سيقوم الوكيل بتسليمك.

............................................

ها هى الفرصة قد هبطت على حياتى من السماء.

أحقا هى فرصة ؟

( لا تدع الشك يتسرب إلى نفسك ويعبث بداخلك)

سأقول لها – من الأفضل أن نعيش فى أمريكا – الهجرة أمل لى منذ زمن وفرصة للولدين, السفر إلى أرض الأحلام, والحياة الأكرم.

على أقل تقدير نتناوب الحياة بين القاهرة ومباشرة التجارة, وبين أمريكا حيث الحرية والحضارة والعلم للولدين ومواصلة حياتهما هناك.

......................

عزيزى الحبيب : وصلتنى رسالتك, أنا أفضل الحياة بالقاهرة معك لتعلم اللغة العربية, والتجارة عندكم أفضل, لكن ممكن تنفيذ رأيك الثانى فى أن نقتسم الحياة بين القاهرة وأمريكا .

لكن حبيبى دعنا من هذا الآن, لأن شيئا مهما أريد أن أحدثك فيه, وهو أن مندوب شركة الشحن سيصل عندكم خلال يومين, وهو لا يعرف محتوى الصندوق, وأنه لابد أن يتسلم مصاريف الشحن من عندك, فأرجو حبيبى أن تتصرف فى مبلغ خمسة آلاف دولار تعطيهم له وسيعطيك إيصال بهم .

تتسلم الصندوق بالأموال, وعندما تختلى بنفسك إفتحه ونفذ ما اتفقنا عليه , لحين حضورى إليك .

حبيبى تذكر مصلحة أولادك جيدا.

لك كل القبلات والأحضان والتحيات.

...............

ها هو الحلم يتسرب كالعادة.

من أين لى بخمسة آلاف من الدولارات, عشرات الآلاف من الجنيهات.

لا ..لا .. الشك .. نعم هو الشك فى حقيقة الأمر.

لفنى الصمت وأغلقت الحاسوب , إستلقيت على ظهرى أتأمل السقف فى الظلام.

تاركا التلفاز يبث أخبار القصف فى العراق وسوريا, وبناء المستوطنات فى فلسطين, واعتقال الشباب.

الجيش الأمريكى ينسحب من أفغانستان, بعد تسليم السلطة لطالبان.

دقات عنيفة على الباب , قمت أستطلع بقلب واجف.

كان أخى يصطحب أولاده وزوجته, قال وهو يبكى – جئنا هربا من الموت.

 

ليست هناك تعليقات: