الشاعر والروائى الكبير الأستاذ/ محمد صالح
علي الطاولة الأخري يجلسان،
بالتأكيد يجلسان ،
بين هالة من الأحلام وانهار من الدخان ،
يجلسان
بين صمت وصخب تتلامس أطراف الأصابع ،
تصطك امواج الحنين،
بين رواح النادل وغدوه يتحسسان جيوبهما الفارغة الا من البؤس ، وازيز الامنيات .
نعم يجلسان وكأنهما علي جرف من وجع .
يجلسان نعم ،
كأنهما يجلسان بينما ثمة موسيقي تنساب من الرأس إلي القدمين ،
من الفراغ إلي الصمت ،
من الشجرة الي العصافير
كأنهما يجلسان
ربما كانا يجلسان ،
والعصفور الذي مر مسرعا القي إليهما بطعام يومه وقوت صغاره .
والشهيد الذي عبر الفضاء كمزنة ربما ألقي إليهما بآخر ابتسامة طافت علي وجهه قبل اندلاع الرصاص ،
وآخر قطرات من دمه قبل هروب الاحلام .
ربما يكون السكير الذي فرغت كل زجاجاته ولم تفرغ إنسانيته، قد اقتسم معهما آخر ما في كيسه من الخبز والتبغ الرخيص، والخطوات التي لملمها من الأزقة والحارات ،
والمساءات التي عاد فيها وحيدا يحصي النجوم والخيبات .
نعم لأنهما كانا يجلسان
قالت الطاولة للمحقق : أنهما كانا يجلسان .
وبكي النادل وهو يشير الي موقع الطاولة الوحيدة عند أول النهر .
وراح الشهيد يراقب قطرات دمه ودوي الرصاصات التي فزعت جسده ، وابتسامته التي تغير لونها .
تجشأ السكير وجعه ، ثم راح يحصي اللقيمات علي الطاولة ذاتها .
التي ربما نهضت منها وقتها متكأ علي ظلي الذي لم يزل يغافلني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق