فى المقال الاول من حديث الجودة ذكرنا تعريف الدكتور "جوزيف جوران " للجودة بأنها "الملاءمة للإستعمال" وشرحنا المقصود من ذلك من خلال مثال يقارن بين المرسيدس وجيب شروكى وأن الحكم بجودة أى منها يتوقف على القدرة على تلبية لإحتياجات الشخصية للزبون.
واليوم نتطرق إلى تعريف "فيليب كروسبى" للجودة وهو واحد من أبرز من دعى للجودة ، ومن أشهر عباراته التى أطلقها فى عام ١٩٧٠ هى أن "الجودة مجانية" وذلك لأن عمل الشئ صحيحا من أول مرة بجودة عالية يكون أقل تكلفة من إصلاحه لاحقا،
ولقد عرف كروسبى الجودة بأنها "المطابقة للمتطلبات" وتعنى مدى ملاءمة ومطابقة المنتج للتصميم الذى تم بناء عَلى المواصفات والمتطلبات الوظيفية لهذا المنتج ، وكان "كروسبى" يرى أن رداءة الجودة لاينتج عن قصور أو فشل بل بسبب الإنحراف عن تنفيذ المواصفات والمعايير التى تم وضعها عند تصميم المنتج ،
ومن الملاحظ أن تعريف "كروسبى" للجودة يعتمد على مواصفات التصنيع لأداء الوظيفة التى تم تصميمه من أجلها ، ولذلك فهو قائم على مدى ملاءمة المنتج لمعايير ومواصفات تصميمك ، وأن أى إنحراف يخفض من درجة الجودة ، فالمصباح الكهربائى ذو العمر الإفتراضي ألف ساعة تم تصنيعه طبقا للمواصفات التى تحقق ذلك وكذلك المصباح الكهربائى ذو العمر الإفتراضي عشرة آلآف ساعة تم تصنيعه طبقا لمواصفات أعلى ، وكلاهما مصباح ذو جودة عالية لأن كل منهما مطابق للمواصفات التى صمم على أساسها وكل منهما يؤدى الوظيفة التى صمم من أجلها .
وهنا يقفز إلى الذهن سؤال هام ، هل إذا تم إختبار مائة مصباح من أى منهما ستعمل كل المصابيح طول العمر الإفتراضي المصمم من أجله ، أم أن بعضها سيفشل فى ذلك ، إن نسبة المصابيح التى عملت عدد الساعات التى صممت من أجلها تمثل مستوى جودة المنتج، ولهذا رأى كروسبى أن أى منتج يجب تصنيعه مطابقا للمواصفات الموضوعة بدقة من أول مرة وفى كل مرة يتم إنتاجه ، وهذا يستلزم وضع المواصفات التفصيلية والدقيقة وتطبيقها بعناية فائقة لضمان جودة المنتج ،
ومن هذا المنطلق أطلق "كروسبى " مقولته الشهيرة " صفر عيوب" أى أن كل منتج يتم إنتاجه يكون خاليا تماما من العيوب ، ومن القصص الحقيقية التى تتطابق مع هذه الفلسفة التى تهدف إلى تصنيع منتجات بلا عيوب.
بينما كانت إحدى الشركات تبحث عن موردا للتعاقد معه على صفقة مشتريات ، وبعد عملية المفاوضات ، وافقت شركة يابانية على على توريد المطلوب بدرجة جودة ٩٩٪ حسب طلب المشترى ، وكانت الصفقة عبارة عن توريد ألف وحدة يتم تصنيعها وتسليمها فى خلال ثلاثة أسابيع ،
وبالفعل بعد ثلاثة أسابيع تماما ، إستلمت الشركة من البائع اليابانى صندوقين أحدهما كبير الحجم ويحتوى على "٩٩٠" وحدة سليمة وخالية من العيوب تماما ، ونظرًا لطلب الشركة نسبة جودة ٩٩٪ ، مما يعنى توقع قطعة معيبة واحدة مقابل كل ٩٩ وحدة سليمة "خالية من اى عيوب" ، فلقد تم وضع ال ١٠ قطع المعيبة منفصلة فى صندوق صغير لأن الشركة اليابانية لم تستطع أن تفهم لماذا يريد المشترى وحدات معيبة وماذا سيصنعون بها. لاشك ان المشترى لم يكن يرغب فى القطع المعيبة ولكنه إعتقد أن نسبة ٩٩٪ هى درجة جودة عالية ولم يتخيل ان البائع اليابانى يملك نظاما يمكنه من تصنيع كل القطع المطلوبة بنسبة صفر فى المائة من القطع المعيبة . وبالرغم من أن تحقيق نظرية "صفر عيوب" تبدو مهمة صعبة أو مستحيلة ، إلا أن وضع ذلك كهدف أثناء مراحل الإنتاج المختلفة بداية من وضع التصميمات والمواصفات وصولا إلى الإنتاج يكون محفّزا للتحسين المستمر للوصول لهذا الهدف أو على الأقل قريبا من ذلك . لقد لخص "كروسبى" مفهوم "صفر عيوب " بأن الفكرة هى عمل الأشياء صح من المرة الأولى والعمل على أن يكون ذلك هو أسلوب العمل بالمؤسسة وبصفة مستمرة. فى المقال القادم ساروى قصة تطبيق مفهوم "كروسبى" " صفر عيوب " فى احد مصانع أجهزة الإتصالات العالمية ، قصة مثيرة توضح القدرة على تحليل أسباب المشاكل للوصول الى حلها من الجذور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق