الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا
عَرَضَتْ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ - رضىَ اللهُ عنها -طَلَبَ الزَّوَاجِ عَليَٰ النَْبِيِّ ﷺ فَحَدَّدَ لهُ مَوْعِدًا لِعَرضِ طَلَبهِ بِنَفْسِهِ، وَهَا هُوَ الشَّابُّ يَذهَبُ بشَحْمِهِ، وَلَحْمِهِ؛ فَيَأَخُذُ بِتَلَابِيبِ نَفْسِهِ ﺇﻟﻰَٰ أبِيها ﷺ مُتَّجِهًا نَحْوَهُ قَائِلًا لَهُ “أريدُ أنْ أَتَزَوَّجَ زَيْنَبًا.. ابْنَتَكَ الكُبْرَىَٰ” فَقَالَ له النَّبِيِّ ﷺ: “ﻻ أَفْعَلُ حَتَّىَٰ أَسْتَأذِنَها”
تَمَهَّلْ لِأَسْتَأْذِنَ مَنْ
لَهَا حَقُّ الاخْتِيَارِ.
مَنْ تَقُلْ بِطَلَبِكَ نَعَمٌ
أوْ تُظْهِرَ الإِنْكَارَ.
فَطَلَبِي لَهَا اسْتِشَارَةً
وَهَىَ مَنْ يَعْتَمِدُ القَرَارَ.
-وَيَالَهَا مِنْ لَحَظَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَأَوْقَاتٍ صَعْبَةٍ عَلىَٰ النَّفْسِ مَرِيرَةٍ؛ فَمَرَارَتُها لَيْسَتْ في إبْدَاءِ الطَّلَبِ، وإِظْهَارِ التَّمَنِّي، وإنَّمَا باِنْتِظَارِ أَمَلٍ قَدْ لا يَتَحَقَّقُ، وبِرَغْبَةٍ قَدْ تَنْتَهِي بالرَّفْضِ المُسْبَقِ، وَقَلْبُ هَٰذا المِسْكِينِ مُعَلَّقٌ، بَلْ كُلُّ حَوَاسِّهِ عِنْدَ هَٰذِهِ اللَّحْظَةِ قَدْ أُطْبِقَ، والدُّنْيَا بِعَيْنَيهِ بِرُغْمِ رَحَابَتِهَا واتِّسَاعِهَا تَنْحَسِرُ فَتُغْلِقُ، ويْكَأَنِي أُحِسُّ بِدَقَّاتِ قَلْبِهِ مُتَسَارِعَةً كَأَنَّ قَلْبَهُ سَيَنْخَلِعُ مِنْ بَيْنِ جَوَانِحِهِ، وإذْ بِهِ يَدُورُ في فَلَكِ الصَّبْرِ، ورَباطَةِ الجَأَشِ فَلَعَلَّ القَادِمُ خَيرًا، وَمَنْ أَخْيَرُ مِنَ النَّبِىِّ ﷺ فَيَأتِي مِنْ يَدَيهِ كُلُّ بُشْرىَٰ بِبِرٍّ؟!
-وَيَدخُلُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَىَٰ ابنتهِ زَيْنَبٍ قَائِلًا لهَا “ابنُ خالتَكِ (هندُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ) جاءَنِي وقد ذَكَرَ اسمَكِ فَهَلْ ترضِينَهُ زَوْجًا لَكِ؟”ﻓﺎﺣﻤَرَّ وَجْهُهَا وابْتَسَمَتْ فَقَرأَ الأَبُ بِوَجْهِهَا مَا يُخْفِيهِ حَالُهَا، وَتُبْدِيهِ عَيْنُها، وَيَسْتَقِرُّ بِقَلبِهَا،ويغمرُ وُجْدَانِهَا، فَنُورُ السَّعَادَةِ بَادِيةٌ،ونَشْوَىَٰ المُوَافَقةِ آكِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْطقُ لِسَانُهَا،أو تُفْصِحْ عَنْ قُبُولِهَا بِصَرِيحِ كَلامِهَا، وفَصَاحَةِ لَفْظِهَا، وَمَدلُولِ عِبَارَاتِهَا، فَحُمْرَةُ الوَجْهِ دَلِيلٌ عَلَىَٰ الخَجَلِ، والحَبِيبُ الرَّاغِبُ بالزَّوَاجِ فِي شِدَّةِ الخَوْفِ والوَجَلِ، ويا لهَٰذينِ القَلْبَينِ (الخَجِلِ، والوَجِلِ) المُنْفَطِرَينِ شَوقًا لتَوفِقِ اللهِ لَهُمَا بِجَمْعِهِِمَا بأَمَلٍ آكِدٍ تَحْتَ سَقْفٍ واحِدٍ،
فَاحْمَرَّ الوَجْهُ مُبْتَسِمًا
فَأَيْقَنَ الأَبُّ بِالِإقْرَارِ.
عَقَدَ النَّبِيُّ نِكَاحَهُمْ
وَأَعْلَاهُ بِالإِشْهَارِ.
-أَيْقَنَ الأبُّ ﷺ بموَافَقَةِ ابنَتِه علىَٰ الزَّوَاجِ منْ ابنِ خَالَتِها ؛ فَعَقدَ لَهُمَا النِّكَاحَ، وَأعلَىَٰ بزوَاجِهِمَا الأَفْرَاحَ؛فأَصبَحَ الممنوعُ مُباحًا، وزُفَّتِ خَيْرُ عَرُوسٍ ابِنْةَ أَخيَرِ خَلقِ اللهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَىَٰ عُرسِهَا؛ لِيُشْهِرَ المصْطَفَىَٰ ﷺ إنْكَاحَهَا مِنْ مُحِبِّهَا ابنُ خَالتِها "أبو العاصِ بنُ الرَّبِيعِ، ثُمَّ تَمضِي السيدةُ خديجةُ- الأمُ، والخَالةُ - إلىَٰ العروسَيْنِ المُتَحَابَّيْنِ فَتُبَارَكَ لَهُمَا، وَعَلَيهِمَا خَالِعَةً قِلادَتَها لِتَجْعَلَهَا في عُنُقِ زَيْنَبٍ هَدِيَّةً مِنْ أخْيَرِ أمٍّ لأجمَلِ بِنْتٍ.
-وَصَارَ الإلفُ إلىَٰ إلْفِهِ، واسْتَقَرَّ الوَجْدُ المُضْطَرِبُ بَعدَ لَهِفِهِ، وَشَغَفِهِ، وحاطَهُمَا الحُبُّ بِعِنَايَتِهِ، وَكَنَفِهِ، ودَخَلا مَعًا عُشَّهُمَا الجَدِيدَ، وغَدَا كُلُّ شيءٍ حوْلَهُمَا بَاسِمٌ فَرِيدٌ، فَوَلَدَتْ زَيْنَبُ لأبي العاصِ عَلِيًّا، وَأُمَامَةَ،
فَأَنْجَبَا سِبْطَيْنِ عَلِّيًا
وَأُمَامَةَ أَزْهَرَ الأَثْمَارِ.
كالغَيْثِ فَيْضٌ مِنَ اللَّهِ
بِأَرضٍ غَامِرُهَا بالأَمْطَارِ.
إثْمَارٌ مِنَ الإِلَٰهِ بِفَضْلٍ
زَانَهُ بِالبِِشْرِ في الإِخْضَارِ.
هُمَا قُرَّةُ العَيْنِ وَنُورُهَا
مَا أحلَاهُ مِنْ إبْصَارٍ!
أَدِمْ يا رَبُّ إنْعَامَكَ
وأسْعِدْنَا بالأَنْوَارِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق