|
طلبت من والدي قرشين، سألني عن السبب وهو يعرف، فقلت له. كان يجلس في الشرفة بعد صلاة الجمعة على مقعد من مقاعد العز القديم، مصنوع من الخيزران، هز رأسه في أسى مكتمل، مد يده نحوي بقرش، قال وهو محزون:
= ليس معي غيره.
أخذت القرش وطيران على مخزن الحاج محمد الصباغ، وقفت على
الباب مترددًا خائفًا أراقب الرجل وهو يهش الكثيرين الذين لا يملكون القرشين،
انكماشي وصمتي جعلا الرجل يسألني بخشونة:
= انت ابن من يا شاطر؟
نطقت اسم والدي وأنا أمد يدي بالقرش الصاغ الأحمر
المشرشر، فبش في وجهي، وأخذ القرش ودفعني بيده إلى الداخل، فدخلت العالم الساحر
المسحور، كان أغلى قرش ملكته في حياتي، وكان أحلى أهلي وزمالك في التاريخ. لا أذكر
النتيجة، لكني مازلت أذكر الفرحة التي رأيتها تشع من عيني والدي عندما عدت مسرورًا
بعد ساعتين، وهو مازال في جلسته. قبل انتهاء موسم الدراسة بأيام، سمعت أبي يهمس
لأمي في حزن أنه في حاجة إلى عشرة قروش لسفرية عمل في اليوم التالي، لم أكذب
خبرًا، أخذت ألملم الصحف المتناثرة في حجرات البيت، وأعيد رصها في نظام، ثم حملتها
في هدوء إلى بقال لا يعرفني، دفعت إليه رصة الصحف، فوزنها وأعطاني ثلاثة عشر
قرشًا، لم أناقشه، كان حلمي عشرة قروش فقط. عدت فلم أجد والدي على مقعده الأثير،
قالت أمي:
= ذهب ليزور أخاه.
أسرعت إلى بيت عمي القريب، أخذت أحوم حول الجالسين، فهم
والدي أنني أريد شيئا فأدناني منه، سألني إن كنت أريد شيئًا، هززت رأسي إيجابًا
والفرح يهدهدني، أحاط كتفي بيده اليسرى فوضعت القروش الغالية في يده اليمنى،
وانفلت هاربًا بدموعي، تاركًا كوب اللبن الدافيء الذي أحبه.
أقرأ ايضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق