الاثنين، مايو 22، 2023

أصالة الشعر وتقليديته .. بقلم الشاعر د خالد البوهى ابن مدينه الاسكندريه الشقيقه

 

الشاعر الطبيب/ خالد البوهى

مبحث السرقات الشعرية مبحث مهم اهتم به الأقدمون، وتحدثوا فيه بتفاصيل دقيقة لم ينتبه إليها المعاصرون، فتوسعوا فيه بصلف عجيب!
والذى أؤمن به أن المعانى المتكررة، والأساليب النمطية تدل على تقليدية الشاعر وعلى عدم أصالته، ولا تدل على كونه سارقا، فالمعنى الشائع يقوله زيد فيردده عمرو مؤكدا أنه لم يقرأ شعر زيد الذى يتهمه بالسرقة، والخطب يسير لأنهما معا يقولان ما قاله نوح! ولو قال زيد شعرا أصيلا غير مسبوق لانكشف صاحبه بسرقته.
يقول أحدهم (فى عينيك عنوانى) ويقول غيره (بين عينيك موعدى) ويقول غيرهما (موعد عيونك) وسنظل نسمع (فى عينيك كذا وكذا) وكما ترى فكل ذلك لا يدخل تحت باب السرقة الشعرية، لأنه من الشائع والشائع لا يسرق، وإنما السرقة للأصيل، ومن الأصيل فى هذا الباب قول أمل دنقل (أحس حيال عينيكِ/ بشىءٍ داخلى يبكى)
على أن السرقة نفسها قد تكون من المقبول الذى يدخل فى التأثير والتأثر، ويكون فضل الشاعر فى حسن تصرفه، ومن ذلك ما ذكروه من سرقات المتنبى وأبى تمام وأبى نواس وشوقى وغيرهم من أفاضل الشعراء. ومن ذلك تأثر محمود حسن إسماعيل فى (أقبلى كالصلاة) بأبى القاسم الشابى فى (صلوات فى هيكل الحب) بتقسيماته وجوه العام ورؤيته، فاحتفظ الشابى بأصالته، وكان محمود حسن إسماعيل على جلاله متأثرا به. ولأنه شاعر كبير فقد ابتكر مساحات ممتدة من الجمال، مع أصالة بعض أبياته كقوله غير المسبوق:
أنا ميت تغافل القبر عنى
وهو إن يدر شقوتى ما تمهل
فاسكبى لى السنا وطوفى بنعشى
ينعش الروح سحرك المتهلل
ورأينا أصالته تامة غير منقوصة عندما مزج الريف بالحياة، عندما تناول الساقية وجعل أنينها صوت المعذبين، ونحو ذلك من روائعه الأصيلة الجميلة معا.
الأصالة نجدها عند محمود درويش فى شعره الذى كتبه فى مرحلة ما بعد حصار بيروت، وفى عدد كبير من شعر نزار قبانى عن المرأة والوطن.
الأصالة رأيناها فى شعر عبد المعطى حجازى فى هجائه غير المسبوق للمدينة، وفى شعر عفيفى مطر فى شعره عن الريف الذى جعله معادلا موضوعيا لأشياء كثيرة، وفى شعر السياب وأمل دنقل عن مرضهما، وفى عدد كبير مما كتبه حسن طلب كقصيدته (ارسم صليبا كالهلال) وفى شعر صلاح جاهين فى مربعاته وأغانيه غير المسبوقة (وشوف لما بيقول مثلا الحياة بقى لونها بمبى) وفى بعض أشعار أحمد فؤاد نجم التى ضمت عددا من الصيغ العجيبة الأصيلة غير المسبوقة، ونجدها أيضا فى مسحراتى فؤاد حداد.
أما التقليدية فقد رأيناها فى عدد كبير جدا من شعراء جيلنا الذين زعموا الريادة وهم أبعد خلق الله عنها. الشعر التقليدى قد يكون جميلا بصياغته أو حسن تناوله وعمق رؤيته، لكنه لن يكون أصيلا، لأنه يتناول الشائع المشترك الذى كتبه زيد وعمرو ونوح!
الأصالة تجدها فى شعر عبد المنعم الأنصارى الذى كتبه بعد محنته فى نجله رحمهما الله، وتجدها أيضا فى شعر إيهاب البشبيشى المدهش دائما وسط تقليدية أصحاب الجوائز المهمة من الذين يكتبون شعرا جميلا لكنه لا يوصف بالأصالة، على الرغم من طنطنات الشلل التى أفسدت كل شىء فى حياتنا الأدبية، وإنك تستطيع أن تشير إلى عدد كبير مما يرددونه من نمطية رتيبة، وتستطيع أيضا أن تتلمس أصداء غيره فيه، وإنما يغض طرفك ما تراه من نفس شعرى وسلاسة فى التناول وجمال تقليدى فى الصور، ويغض طرفك أيضا ما امتد بينكما من صداقة قديمة وثقافة شلنا ونشيلك!
قضية الأصالة هى التى جعلت رواد قصيدة النثر ينتهجون نهجهم، لأنهم وجدوا سقوط الشعراء فى الشائع والمتكرر، لكن بعضهم مع الأسف الشديد سقط فى شائع الكتابة الجديدة، لأن الأصيل سيظل نادرا، وسيظل جماله فى ندرته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق