الأديب/ أحمد البحيرى ابن كفور بلشاى بكفرالزيات
الرجل الذي كثرت أسراره عرف الشك. بضعة أشهر وما عاد يصدق غير زوجته. الأخبار والكتب وسيل المعلومات الوارد من ال( ميديا)، ما يسمعه وما يراه وما يعرفه، كل ذلك صار بلا فائدة. الشيء الوحيد الذي بات يفكر فيه ما يراه بنومه وما يصير له في الشهادة.
والأسرار تلعب في صدره ؛ فتزيد شكه حتي فات البديهيات العقلية المعروفة. هذا الحال لم يمر به أبدا. ومعلمه فاته بعدما صار معلما وما أخبره عند رحيله بما سوف يصير.
كل الأدوية المنبهة والمسكنة والمهدئة التي كتبها الطبيب لم تأت بنتيجة. والرجل في غرفته ممدودا في سريره يجلس وحيدا في العتمة ويفكر في أحوال النهار.
كل ما يصلك دون دخل لك فيه إشارات. دع عنك ما يقض مضجعك وتأمل الحركة. زوجة إبن الجيران التي عادتك في العاشرة هي المعنية بالقطة التي رأيتها أمس. ولن تنجب حتي تحثو التراب بعين القطة كي لا تراها. وابن خالك الذي اشتكي لك من سرقة أمواله، لم تسرقها غير زوجته. لقد عادك وصلي خلفك عصر اليوم وكدت تخبره. وابنة جارتك التي تركت خطيبها كما تركت من سبقه منظورة.
وهنا ينادي زوجته ويسأل: من الذي سأل عني وأنا نائم؟. قالت: أم منار، وحماة سارة، وابنة الحاجة فوزية. ثم ضحكت وهي تقول: كلهم نسوان يا قاضي الغرام. تجهم قليلا وهو يقول: البركة في أمك وزوجة أخوك، أشاعوا أني أعرف كل شيء، وها أنا أعجز عن الفهم بالكلية.
قالت: والله لقد صرت لا افهمك، ما الذي تريد معرفته؟ أتعبتني منذ لزمت الوحدة، والأولاد والأعباء أثقلت كاهلي، ولا أدري لمن أشكو؟. لو خرجت إلي الجامع، وذعتها في الميكروفون لأتهمت بالجنون. ما الذي تريد أن تعرفه؟، هه، قل لي بربك. أشار لها علي حافة السرير فجلست. قال: الحكمة في كل ما يصير. أي شيء فعلته منار وسارة وإبنة الحاجة فوزية ليذيقوا هذه الأقدار؟. كيف صاروا عرضة لكل تلك الطاقة السلبية؟. وكيف تسرق زوجة زوجها أو تدير الأم السحر لإبنتها؟. ولماذا لا يقترب الجن سوي من أجمل النساء؟. أي فرجة في قانونه تسمح له بذلك؟.
والإشارات التي ترد في الأحلام تحتمل أكثر من معني. كيف أقف منها علي التأويل المناسب؟. في هذه اللحظة رن جرس الباب
وذهبت الزوجة لمعرفة الطارق. وذهب الرجل الذي عرف الشك ينظر في ساعته، ولما عرف أنها تجاوزت نصف الليل استبشر خيرا. لقد جاء معلمه باشا مسرورا
كأن معه الترياق. وبعدما اطمئن عليه وطلب منه التجذر في العيش قال: ما بالك والعجز عن درك الإدراك إدراك.
أقرأ أيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق