ما أصعب التقول على الناس بما ليس فيهم! ، وما أشق الافتراء على النفس، وما أقساه! لاسيَّما إذا سيق إلي صحابة رسول الله ﷺ، ومنهم وَحْشِيّ بن حرب- أبو دسمة- مولى طعيمة بن عدي بن الخيار ، وقيل مولى جبير بن مطعم بن عدي؛
حيث لا ينقطع الافتراء أبدًا بكل زمان، ومكان، خاصةً إذا كان الافتراء له دعائم يستند إليها ، وركائز يعتمد عليها؛ بتأويل فاسد لا أساس له من الصحة، وتحليل من الثبوت فاقد لا قيمة له سوى القدح، والعلة،والتنكيل، والذلة، ولعل أكثر من حظي بتقول عليه بما ليس فيه هو الصحابي الجليل وحشي؛ حيث قالوا فيه مالم يقل مالك بالخمر، ومن ترهاتهم، وأباطيلهم أنه :١-صاحب ذنوب، وسوء سريرة، وأن نفسه موغلة في الضلال، وأنه ما آمن إلا خوفا من القتل؛ وعلي ذلك فإيمانه فيه شك .
٢-نسبوا قولًا لعمر بن الخطاب يستنكر فيه مصير القاتل، والمقتول بالجنة بقوله - رضي الله عنه: " كنت أنظر إلى وحشي ؛ وأقول :" حمزة وقاتله في الجنة!"
٣-عاقرُ خمرٍ .
٤-لا يصح أن يطلق عليه لقب صحابي.
٥-تحميل الصحابي الجليل وحشي الكراهية الشديدة بإثم قتله حمزة.
٦-زعمهم كراهية النبي -ﷺ- له بديل أنه أمره بتغييب وجهه عنه.
وللرد علي تلك الأباطيل الواهية، والمزاعم الواهنة، والتي بمجملها أوهن من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون نقول وعلي الله المعتمد، وإليه المآل، والمستند :
أولًا: من زعم بأنه صاحب ذنوب، وسوء سريرة، وأنها موغلة في الضلال، وأنه ما آمن إلا خوفا من القتل؛ إذ أن إيمانه فيه شك.
بالله أجبني مَنْ مِنَّا بلا ذنوب؟ ، ومَنْ مِنَّا لم تقترف يداه صغائر الذنوب؟ ؛ فالملائكة هم الخلق الأوحد الذي فطره الله تعالى علي الطاعة؛ حيث لم تركب فيهم شهوة فهم خلق نورانيون قال الله تعالى بحقهم (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لايَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَايُؤْمَرُونَ" التحريم٦) ثم الأنبياء، والرسل فهم أيضا معصومون من النقائص، والزلات، قد اصطفاهم الله تعالى، وطهرهم واختارهم علي العالمين لحمل رسالته أما سائر الخلق من إنس، ومن جان فيذنبون، ثم يتوبون، وهذه سنة الله في خلقه، وسيدنا وحشي بشر كسائر البشر له حسناته، وله سيآته التي لا يعلمها سوي خالقه، وأما الحكم بسوء سريرته، وسواد نفسه؛ فلا نملك عصًا سحرية تخبرنا باستواء الأنفس من اعوجاجها فالذي خلق الأنفس، وسواها ثم ألهمها فجورها، وتقواها هو الله رب العالمين ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) الشمس)
فهذا من علم الغيب، ومن صميم اختصاص حكم الله علي خلقه فنبرأ لله مما هو له قال تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا. ٢٦ الجِنُّ ) فأعمال القلوب لا يعلمها سوي خالقها، ومن زعم غير ذلك ففي إيمانه دخل، وبيقينه خلل،وبعقيدته زلل.
-وأما الادعاء بأنه آمن خوفًا من القتل؛ فليس عليه دليل نوقن من خلاله بصدق هذا الادعاء؛ إذ ليس معنا ما نشق به عن صدره فنعلم أنه قد آمن تقيةً، وخوفًا، واستبقاءً لروحه؛ فالزعم بأن نفسه موغلة بالضلال، وقلبه لم يستقر به الإيمان ليس لنا به حكم إن الحكم في هذا الأمر إلا لله وحده دونما سواه، وليس معنا آلة لفتح القلوب لنعلم ما استقرت عليه، وما أيقنت به، لكن ما نعلمه يقينًا أن الصحابِيَّ الجليلَ وحشيًّا بنَ حربٍ لم يقع بين يدي النبي -ﷺ- مجبرًا، بل أتاه طواعية ضمن الوفود التي أتت بالعام التاسع لإعلان إسلامها، كما أنه لم يُسْلِم خوفًا من القتل، ولكنه خاف من اعتقاده ، وظنه أنه إذا ذهب للنبي -ﷺ- معلنًا إسلامه أن يقتله النبي -ﷺ-ثأرًا لعمه؛ فلما سمع رجلًا يقول : "والله لا يقتل مُحَمَّدٌ-ﷺ- أحدًا يدخل في دينه" ، قال؛ فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله-ﷺ- فدخلت عليه في خفة، وحذر؛ ثم قال وحشي لسيدنا محمد-ﷺ- : " كنت مشركًا، وقتلت عمك حمزة يوم غزوة أحد، وأنت تعلم، وبقرت بطنه بأمر سيدي جبير بن مطعم ليعتقني، وقد فعل، وأنت تعلم، ولكني أتيتك تائبا نادما، راجيا رحمة ربي بإسلامي؛ لعلي أعمل في الإسلام ما يرضي ربي عني، ويرضي رسوله، فأنا في جوارك يارسول الله حتى يفصل الله في أمري أيقبلني أم يردني بجريمة عمك حمزة؟ "
فقال النبي -ﷺ- : " قد كنت احب أن أراك في غير جوار (أي في المعركة) حتى أثأر لعمي حمزة، ولكن ما دمت أتيتتي مستجيرا فأنت في جواري حتى يفصل الله في أمرك ". لأن حمزة لم يكن عم النبي-ﷺ- فقط، بل تربه ( أي أخوه في الرضاعة )، وسماه النبي -ﷺ- أسد الله، وأسد الرسول، وكناه بسيد الشهداء،
فنزل جبريل الأمين يبشر وحشي، وغيره بقوله سبحانه، وتعالى: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [الزمر - ٥٣]. فقال النبي-ﷺ-: " أبشر، لقد عفا الله عنك، فالإسلام يَجُبُّ ما قبله ".
-وهناك رواية أخرى تحكي أن الرسول -ﷺ-قد بعث إليه ليدخل في الإسلام ، فأرسل إليه وحشي قائلًا : ” يا رسول الله كيف تدعوني، وأنت تزعم أن من قتل، أو أشرك، أو زنى يلق أثاما، ويضاعف الله له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا ، وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة ؟ "
وبعد ذلك نزلت الآية الكريمة التي تقول ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. ٧٠ الفرقان)
فقال وحشي في ذلك : “هذا شرط جديد ولعلي لا أقدر على هذا” ، ثم نزل قول الله تعالى “ إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا. ٤٨ النساء ” ؛فرد وحشي على هذا بقوله :” يا رسول الله لا أدري أن يغفر الله لي أم لا ؟” ، لتنزل الآية الكريمة التي تقول “ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. ٥٣ الزمر ”.
ثانيًا : لو صحَّ ما نُسِبَ للفاروق - رضي الله عنه: "بقوله:" كنت أنظر إلى وحشي، وأقول حمزة وقاتله في الجنة! "
فليس استنكارًا من الجمع بين حمزة، ووحشي بالجنة، لكنه علي سبيل تعجبه من أقدار الله تعالى، وبالغ حكمته، وعظيم رحمته؛ فقد قضي بسابق علمه المحيط بأن القاتل، والمقتول بالجنة، ولكن كيف ذلك؟
التوضيح :
يَقتُلُ حمزةَ المؤمنَ وحشيٌّ المشركُ آن ذاكَ بحربته؛ فقضاء الله الأزلي يصير واقعأ مرئيًا بقدر ملموس بميدان المعركة بغزوة أحد؛ فينال حمزة الشهادة، ويستحق المنزلة، والكرامة بالجنة، ثم يُمهل اللهُ -تعالى-وحشيًا حتي يُسلِمَ، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، بل أكثر من ذلك؛ فيبدِّل الله تعالى السيئات حسنات؛فقد ثبت في مسند أحمد من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}.
وروى البخاري عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، فأتوا محمداً -ﷺ- فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؛ فنزلت الآيات، ونزل قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- ثم بنفس الحربة التي قَتَلَ بها حمزةَ خير الناس يَقتلُ بها مسيلمةَ شر الناس لعله يُكافِئ بها سابقتها؛ثم يموت وحشيٌا مؤمنًا موحدًا بالله، ومستحقًا للجنة، حتي، ولو ارتكب من الذنوب مالا يحصي، ولا يعد؛ فقد قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨ النساء)
ثالثًا : وأما قولُ عمرُ "فلما مات عاقرًا للخمر؛ اطمأن قلبي"
فقد ذكره ابن إسحاق في السيرة مرسلاً قال: وبلغني...... . والمرسل من أقسام الضعيف فلا يحتج به إلى ما ذهب إليه.
وأما ما يرويه ابن شهاب بقوله (إن وحشياً مدمن خمر) فقد روى موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "مات وحشي بن حرب في الخمر فيما زعموا " . فهو مرسل لأن ابن شهاب كل مروياته عن التابعين، ومراسيله مثل الريح، كما قال ابن أبي حاتم، فضلاً عن أنه يضعف الأثر بقوله (فيما زعموا)؛ فالقدح بالصحابة بلا دليل، أو بدليل واهٍ لا يجوز لا سيما إن كان الاعتماد على روايات لم تثبت.
رابعًا : وأمَّا زعمهم بأن وحشيًّا لا يصح أن يطلق عليه لقب صحابي.
فمردود عليه بأن وحشيا ، قاتل حمزة- رضي الله عنهما - معدود في الصحابة ؛ لأن الصحابي هو: من لقي، أو رأى النبي -ﷺ- وهو مؤمن به ، ومات على ذلك .
-وثبت أن وحشيا - رضي الله عنه- أسلم ، ولقي النبي -ﷺ- ، وحدثه عن كيفية قتله حمزة - رضي الله عنه- ، ومات مسلمًا ، فثبتت له الصحبة؛ فنترضى عنه ، كما نترضى عن غيره من إخوانه من صحابة رسول الله -ﷺ-.
إذن فما موقف أهل السنة، والجماعة من الصحابي الجليل وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كرهه؟ وهل نكرهه لكره رسول الله -ﷺ- ؟
الصحابي الجليل وحشي : كغيره من الصحابة، وإنما قتل حمزة قبل الإسلام، والإسلام يجب ما قبله ، ومن تاب تاب الله عليه، ولا إشكال في هذا، وأهل السنة يترضون عنه ويوالونه كسائر الصحابة.
خامسًا : بالنسبة لمن يُحَمِّلُونَ وَحْشِيًّا الكَرَاهِيَةَ البَالِغَةَ لِقَتْلِهِ حَمْزَةَ.
فبالقياسِ علي تحميلكم الصحابي وحشي الكراهية بإثم قتله لحمزة فما قولكم فيما فعله نظراءه من بعض الصحابة في جاهليتهم أمثال عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعمر بن الخطاب،وأبو سفيان بن حرب، علمًا بأن وحشيًا لو قتل واحدًا فخالد وحده تسبب بمقتل عشرة من الرماة بجبل أحد بتلك الغزوة، وعلي رأسهم الصحابي الجليل عبد الله بن جبير خلافًا لباقي شهداء المسلمين الستين ممن قتلوا علي يديه، ويد غيره أمثال (مصعب بن عمير، سعد بن الربيع، عمرو بن جموح، عبد الله بن حرام، عبد الله بن جحش، حنظلة بن أبي عامر، أنس بن النضر)
فماذا يكون فِعْلُ هؤلاء الصحابة قياسًا على ما سبق من فعل وحشي ؟؟؟؟؟؟؟
قال تعالى بحق الكافرين فما بالكم بمن آمن : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/٣٨ .
قال ابن كثير رحمه الله:
" يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -ﷺ-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) أَيْ: عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُشَاقَّةِ وَالْعِنَادِ وَيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ، يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف، أَيْ: مِنْ كُفْرِهِمْ، وَذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ- قَالَ: ( مَنْ أحْسَن فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، أخذ بالأول والآخر) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 54)
سادسًا : زعمهم بكراهية النبي -ﷺ- له بدليل أنه أمره بتغييب وجهه عنه.
هذا الزعم مردود عليه بأن قول الرسول ﷺ: " فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني "رواه البخاري، فسببه أن النبي -ﷺ- حزن على عمه حزناً شديداً وقال: -كما عند ابن شهاب-: لن أصاب بمثلك أبداً. فكره النبي -ﷺ- أن يرى قاتل عمه، وهذه فطرة بشرية أن يحزن الإنسان لقتل أقرب الناس له، ولا يطيق رؤية قاتل قريبه، ولكن النبي - ﷺ- مع ذلكَ قَبِلَ إسلامه، بل روى الطبراني في الكبير والأوسط أن النبي -ﷺ- كان يرسل إلى وحشي يدعوه للإسلام، قال الحافظ: وفيه -أي الحديث السابق- المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه، أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما، وفيه: أن الإسلام يهدم ما قبله.
وخلاصة القول :
لمن قرأ فأخطأ الاستنتاج بالحكم علي الصحابي الجليل وحشي بن حرب أقول له:
لولم يعفُ الرسول - ﷺ- عنه ما تركه حيا، لكنه - ﷺ- عفا عنه، وهو صاحب الحق الأصيل في العفو فلا تزايد علي أكرم الخلق - ﷺ- لعنترية فارغة، وشدة بغير موطنها، وقساوة بغير محلها؛ إذ كيف تقسو عليه بعد هذا العمر ، وقد عفا عنه من هو أكرم مني ومنك؟
ألم يمت النبي - ﷺ- ولم يقتله، أو يأمر بقتله؟
-ولو علم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ببغض النبي - ﷺ- لوحشي لقتله بيده دون تردد ، لكنه لم يفعل، بل أشركه بحروب الردة حتي قَتَلَ مسيلمة بحربته . فهل أبصرتَ مالم يَبْصُر به سيدنا أبي بكر؟
وهل أدركت مالم يدركه كل الصحابة الذين عاصروا تلك الواقعة، وتركوه حيا ينعم بعفو النبي - ﷺ- له حتي تَسلبه ما تكرم به النبي - ﷺ- ؟
-وهل أوصلك علمك الكبير ، واستنتاجك الخطير إلي مالم يره النبي - ﷺ-، ولا سيدنا أبو بكر، وسائر الصحابة؟
يا لقساة قلبك، وتحجر عقلك، وأفول علمك مع صحابي أذنب قبل إسلامه، واعترف بذنبه، وندم علي فعله عند إسلامه ،ثم عفا عنه أكرم الخلق بعد أن قَبِلَ منه إسلامه ، وأنت لاتعفو عنه؛ فمن أنت حتي لا تقبل بأمر قد قبله النبي - ﷺ- ، وكيف تسلبه صحبة النبي - ﷺ-، وقد لقيه، وآمن به، وقبل منه إيمانه، ثم مات على ذلك.
يرحم الله تعالى الصحابِيَّ الجليلَ وحشيًّا، وكل من قال يوما لا إله إلا الله" ، وكل من شاهد النبي-ﷺ-، وآمن به، ومات علي ذلك، وقد قالها، وشاهده، ولم نشق عن صدره للحكم بيقين إيمانه من عدمه، وما لنا إلا ما بدا بآخر فعله .
اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن، ويتثبتون بالقول، ولا يرمون الناس بالباطل فضلًا عن الصحابة أزكى الخلق، وأنقاهم فمن فضل الله تعالى، وعظيم المنة أنَّ حمزةَ، وَقَاتِلَهُ بِالجَنَّةِ.
أقرأ أيضاً
قصائد ومقالات أ/ حسام الدين أبو صالحه
هناك تعليقان (2):
أحسنت بارك الله فيك يا أبو أحمد ولكن مازلت اذكرك بالرفق بالقارئ
أحسن الله تعالى لكم الأجر ومتعكم بالصحة والعافية، وتوجيهكم علي الرأس، بالعين. طبتم طيب يومكم. بارك الله فيكم ولكم وأكثر من أمثالكم وزادكم خيرا.
إرسال تعليق