للأدب منذ نشأته، وظائف محددة، فهو أولاً وسيلة للبوح والتعبير، والمشاركة الاجتماعية، وأيضاً وسيلة للتنفيس والترفيه والترويح عن النفس. وبالتدريج، زادت هذه الوظائف، فأصبح الأدب وسيلة للتوثيق وحفظ العادات والتقاليد، والمخزون الثقافي للأمم.
وبرغم تعدد هذه الوظائف، ظلت محددة مرتبطة باحتياجات الإنسان التي قد تزيد أو تنقص. لذلك كانت وظيفة الأدب غير ثابتة، تتغير من عصر إلى آخر، قد تظهر وظيفة للأدب في عصر، ثم تختفي في عصر لاحق، والعكس، قد تظهر في المستقبل استخدامات جديدة للأدب، لم تكن معروفة في العصر القديم.
فمثلاً، كان الشعر في العصر الجاهلي سلاحاً في الحرب النفسية، فكان يستخدم للفخر والهجاء، ومقارعة الأعداء والرد على الخصوم، وكان الشاعر وزير إعلام القبيلة، ينطق باسمها، ويعلن مواقفها، وكان (الشاعر الرسمي) موظفاً يكتب القصائد في المناسبات، وكان (جون درايدن) أول من مُنح اللقب في إنجلترا، وفي التراث العربي شعراء بلاط، مثل المتنبي, عند سيف الدولة، والأخطل، عند بني أمية، وهي الوظيفة التي اختفت الآن.
ونظراً لأهمية الثقافة كأداة للتأثير، يجب تعظيم الاستفادة منها، باستحداث وظائف جديدة للأدب، لنحقق بذلك المزيد من الأهداف، ونصطاد العديد من العصافير بحجر واحد.
فعن طريق مقاطع شعرية وأدبية مختارة بعناية، يمكن استخدام الأدب في العلاج النفسي والسلوكي، وعن طريق الفصاحة والبلاغة، نصحح مشكلات التخاطب والنطق والذاكرة، ونطور المهارات الشخصية والقيادية، ونستفيد من الخطاب الأدبي الرفيع في مجالات حديثة، مثل التدريب والإدارة، ويمكن كذلك الاستفادة من الفنون والآداب والخط العربي في مجالات أخرى، مثل الديكور ونشر الجمال، والتنسيق الحضاري، وتنمية الذوق العام.
في الوقت نفسه، نعزز وظيفة الأدب كأداة للتهذيب والتربية، والحد من السلوكيات السيئة، وتنمية الحميدة منها، ونطور الفكرة ببعض الجهد، لتكون محفزاً للتفكير والعصف الذهني، حتى إننا من الممكن أن نستفيد منه في التربية الوطنية، وتعزيز الانتماء.
على سبيل المثال؛ يمكن توظيف هذه الأبيات لأحمد شوقي في التحفيز والحث على النجاح وتطوير الأداء:
كما يمكن نشر القناعة والرضا والأمل في نفوس الشباب، بتوظيف قول (مسفر بن مهلهل الينبغي):
ونتعلم الأخلاق والحلم والشجاعة والثقة بالنفس، ووصفة الشخصية الناجحة، من محمود سامي البارودي الذي يقول:
إذاً.. يمكن أن يكون الأدب أداة فعالة في التقييم والاختبار، وتحديد الميول والشخصية، من خلال الألغاز الشعرية، وتنمية الذكاء من خلال الروايات البوليسية، وإثراء المخيلة بالروايات الخيالية.. ومن خلال شعر الحكمة، يمكن تدريب الكوادر على الكياسة والفطنة، وفن التعامل والتفاوض والعلاقات العامة.
لقد نجح الإنسان في العصر الحديث، في استخدام الفنون في العلاج، وحقق في هذا المجال نتائج مهمة، وأثبتت التجارب إمكانية استخدام الرسم في علاج أمراض معينة، مثل القلق والتوتر والاكتئاب، وثبت أن الفنون والحرف اليدوية، وسيلة ناجحة للخروج من العزلة، وخفض فرص الإصابة بالضعف الإدراكي بنسبة (50%).
يجب أن نفتح ملف الاستخدامات الجديدة للفنون والآداب، ونعمل على ابتكار مهام جديدة، للشعر والقصة والرواية واللوحة التشكيلية، تخرج بها الممارسة الإبداعية من المحيط الثقافي المتخصص، إلى المجتمع الواسع.. بذلك تحقق الثقافة العربية إنجازات جديدة، وتتوسع رسالتها النبيلة لتشمل فئات المجتمع كافة.
أقرأ أيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق