الأديب أ / على الفقى مؤلف بين السماء والبحر |
الكاتب والناقد أ /أحمد محمد زايد
- الجسد لم يزل مسجى فى الغرفة المظلمة، الأبناء يفتشون ملابسه
ويقتسمون الأموال التى عثروا عليها ،يزيحون شهادات التقديروالأوسمة ويلقون فوقها
الصحف التى تحمل مقالاته والحوارات التى أجريت معه،بينما كانت البنت مشغولة بإزالة
طلاء الأظافر فى الحمام باستياء ، وزوجته أمام خزانة ملابسها تبحث عن رداء أسود
يظهر جمال وجهها بدون مساحيق، قلقة من صراخ الطفل المختلط بصوت الآيات العالية،ومن
تأخر النائحات التى اتفقت معهن منذ الأمس وسط ضجيج عمال الفراشة الذين يرفعون
الأعمدة
لينتصب السرادق المتدلى منه مصابيح فاخرة ، وليكنَ فى
المقدمة لمواجهة كاميرات الفضائيات التى ستقوم بتصوير المشهد والكاتب من خلال قصته
يتوقف عند نقطه فاصله بين عالمين يختلف كل منهما عن الاخر اختلافا كليا وجزئيا عالم
الموت بمفرداته المتمثله فى الامتثال للسكون والالتحاف بالرهبه وعالم الحياه
بصراعاته العنيفه باطماعه بالبحث عن الثروات حتى وان كان على انقاض المورث .. فنجد
ان الجميع قد اهتم بما يعنيه فقط عقب الوفاه ولم ينتطر الى مابعد الدفن لدرجة انهم
اهالوا التراب على تاريخه وقبرت اعماله قبل ان يقبر والغريب ان زوجته هى الاخرى
تسابق الابناء فى ذلك وهنا يبرز الصراع المحموم بين الحياه والموت وعلى اساسها
قامت فكرة الكاتب ورسالته الموجهه للمجتمع
فى قصة حبشى هذا الطفل الذى تتلمذ على يد ابيه ليرثه فى
مهنة بيع الصحف والمجلات ليكتسب خبره وفنون تمكنه ان يبارى كبار اعلام الصحافه
ولما لا وهو احد سلاسل انتاج الخبر واكبر بوق اعلامى للترويج ولم يثنه عمله كبائع
جرايد عن ممارسة اعمال اخرى منها النداء على المسافرين ليسقلوا الاتوبيس الاحمر
كما كنا نطلق عليه ففى هذه المحطه المجاوره للبريد المصرى ومركز شرطة كفر الزيات
منطقة نفوذ حبشى والشاهده على تسلسل حياته ووراثته لمهنة والده واصبح بطلا شعبيا
وجزء مهم فى المعامله حتى انه ارتقى من مجرد بائع للصحف ومنادى على موقف السيارات
الى رمز ثورى يتابع السياسه عملا وقولا حتى قتلته السياسه برصاصه مباغته فى ثورة
يناير وهذه مناوره من الكاتب الذى ضفر قصته مع الكثير من القصص المشابهه واتست
مخيلته الابداعيه ليجعل من حبشى امه نت الاحباش والقصه تكمن جمالياتها فى انها تمس
جانب انسانى لانسان اخلص لمهنته ومجتمعه حتى اختلط لديه حياة الواقع بالاحلام
عندما
اكد انه سيتم
تعينه فى صحيفة الاهرام التى يعشقها وبنى احلامه على وعد محمد حسانين هيكل .. ومن
ملامح الجماليات ايضا فى القصه ان الفقى القى الضوء على حياة المهمشين واحلامهم
وحالهم حال حياتهم وحال مفارقتهم لهذه الحياه مع بضعة مشيعين لايتجاوز عددهم اصبع
الكفين .. ولم ينشر عن هذا البائع فيما باعه طيلة حياته سطرا واحدا ومان الكاتب
اراد ان يقول حمار العنب شايل ومحروم
القطة والسيدة
ماءت القطة.. ولما
اشتد صراخها صاحت السيدة الراقدة على كنبتها قرب الباب:
-لا أحد هنا غيرى
ياقطتى ..الأولاد خرجوا وأغلقوا الباب رغم تحذيرى لهم بأن يتركوه مواربا لك كى
تدخلى وجهزت لك الاكل واللبن.
هدأت القطة وهدأ خمش أظافرها على الباب
بينما راحت نظرات
المريضة تجوب الصالة التى ليس بها منفذ سوى شاشة تليفزيون مفتوح دوما وشباك لغرفة
بعيدة محجوب ضوءه وصورة باهتة لرجل - أعلى الشاشة-..داخل برواز غمره التراب والقدم
تركها ورحل ..لا تعرف عنه شيئا غير فتات أخبار ..انه يعيش فى بلد بعيدة ..تزوج ثم
انفصل ..ثم تزوج ..ثم .... يسأل عن الأولاد نجحوا ام رسبوا ..هل ماتت المريضة أم
مازالت على قيد الحياة .يكاد هذا القابع فى البرواز المتآكل أن يقفز كقط والقطة
تقفز بصعوبة على شباك المطبخ المطل على السلم ومن فتحة صغيرة تنكمش وتتصاغر حتى
تفلت للداخل ترمى جسدها فى حضن المرأة وهى تموء مواء الآتية من غربة وتلتقط أقراص
العلاج وتضعها فى فمها ..تنط على الأرض تمط جسدها تلتقط الوجبة الباردة الملفوفة
بالسيلوفان والتى تركها الأولاد على الطاولة ولم تفلح أيدى أمهم فى
الأمساك بها فوقعت ..تعلقت ابتسامة باهتة ثابتة للمرأة
على صورة قط البرواز بينما برز الخوف فى عينى القطة التى أخذت تمسح وجه السيدة
ورقبتها وتلعق يديها كأنها تغسلها غسل الصباح
فى هذه القصه ماساه انسانيه بكل المقاييس وحاله من حالات
نكران الجميل والاهمال المتعمد فى حاله تستدعى الرعايه والاهتمام وهذا الغبن
الواقع على هذه السيده التى لفظها زوجها وانصرف الى نزواته وسافر ليتفرغ لتعدد
الزواجات والطلاق وترك زوجته فريسه للمرض وعقوق ابناءها الذين انصرفوا لشانهم
واغلقوا عليها الباب يرافقها مرضها وقطتها التى تجد فيها الانيس والجليس
طعم القهوة
" رقصات العجوز "
قصه
بطعم الافلام السينمائيه ... وهى من القصص الكاشفه التى اشارت تصريحا فى بعض
حكاياها السرديه واشارت تلميحا فى مواضع اخرى الامر الذى بدا متوازنا امام المتلقى
ومن مميزات هذا النوع من القص انها تندرج تحت مسمى القص الشعبى بمعنى انها تخاطب
كل شرائح المجتمع بكل ثقافاته المختلفه وايضا من مميزاتها انها تمس واقع انسانى
وتسلط الضوء على هنات حياتيه تحدث فى معاملات الفرد مع مجتمعه .. وقد كتبت القصه
بحرفية كاتب متمكن يعى جيدا موضع قلمه وتحركاته ونبضه وسكناته .. يعلم جيدا متى
يضع النقاط والفواصل .. وعند الوقوف امام شخوص هذه القصه القائمين بدور البطوله
وهم ... رفعت الذى يعمل مهندسا فى وزارة الرى ... احلام وهى زوجته التى اصبحت
مقعده ولا تتحرك سوى بكرسى متحرك لايتحرك سوى عن طريق الاستعانه بصديق اذا هو كرسى
متحرك بشروط يصبح كرسى مقعد فى حالة عدم توفر هذه الشروط ... ثم نجاة وهى احدى
المواطنات التى كانت لديها خدمات مصلحيه لدى رفعت اثناء عمله كمهندس للرى وانهى
لها كافة خدماتها واصبحت تحتل موقعا قريبا فى وجدانه وتفكيره ..بالاضافه لشخوص تمت
الاشاره اليهم كضيوف شرف مثل ابنة رفعت الوحيده ..
واصدقاء رفعت الذين يعملون فى الخارج وتغير معاملاتهم له
بعد خروجه على المعاش .. وهذه القصه بها مشاهد دراميه مؤثره تكاد تبكيك وتجعلك
تتعاطف معها وعلى سبيل المثال حالة التوتر والعصبيه وملل الحياه التى تعيشها احلام
لدرجة انها اصبحت تجتهد فى الدعاء والتوسل الى الله ان ياتيها الموت لتتخلص من رتم
حياتها البائسه .. ايضا التحول من حالة الحزن الى حالة الفرح المؤقت والتحول من
البكائيه الى الايقاعات الراقصه بين رفعت واحلام المقعده وانتهاء المشهد الى
مايسمى الحبكه الدراميه المحكمه التى هى من اهم السمات المميزه للقص الجيد الملىء
بالتشويق والاثاره ومابين المشهد والاخر لم يغفل الكاتب عن وضع لمسات جماليه
كموسيقى تصويريه بان بدا قصته بوجود مذياع مع تلاوه للشيخ محمد رفعت .. ثم التحول
الى ايقاعات الموسيقى .. ثم النافوره .. البلكونه .. الشيش الموارب .. الشمس
الذهبيه وتنقل بين المفردات المكانيه والزمانيه بخفه ورشاقه اكسبت القصه نكهه خاصه
دون كلل او ملل حتى فى الزمان المتمثل من وقت خطبة احلام ورفعت بما تحتوى من
ذكريات جميله وانتهاء بالزواج والانجاب وزواج ابنتهما الوحيده كمرور سردى بطريقة
افلام السينما
والخلاصه نستطيع القول من خلال هذه القصص التى مكنتى
ظروفى من التطواف بها الى ان هذه المجموعه تتميز بالتنوع تهتم بتسليط الضوء على
الجوانب الانسانيه ..لديها هدف ورساله مجتمعيه ساميه تصوبها بدقه للمجتمع لياخذ كل
واحد
منها مايعنيه
..وهى ايضا بمثابة معلم ومرشد لمن يريد ان يتعلم فنون الكتابه القصصيه .. روعى
فيها كل مقومات القصه القصيره .. من اللغه وتراكيبها وقواعدها النحويه .. والمكان
والزمان والشخوص والحبكه الدراميه .. ولا املك الا ان اشيد بالكاتب الرؤائى والقاص
المتمكن الاخ والصديق العزيز استاذ على الفقى وتحيه خالصه لحضراتكم لسعة صدوركم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق