الجمعة، يوليو 22، 2022

دور الفنون الأدبية في تنمية الانسان والمجتمع .. بقلم د / منى العساسى ابنه الزقازيق

الروائيه/ منى العساسى ابنه الزقازيق
 

إذا كانت مجتمعاتنا العربية غير قادرة على مواجهة العديد من قضاياها بشكل مباشر ولم يستطع رواد التنوير والمفكرين المعاصرين تمرير أفكارهم التنويرية داخل المجتمعات العربية وأحداث تغييرا حقيقيا في أنماط وعيهم، فالفن بشكل عام يمكنه أن يقوم بدور كبير وفاعل في معالجة هذه القضايا وتبسيط الأفكار ووضعها في قالب فني يتفاعل معه الانسان مما يؤدي إلى تنمية الانسان والمجتمع بشكل عام

فالرواية هي أحد الفنون التي نشأت حديثا قد ظهرت في القرن 18 مع بداية العصر الرأسمالي وقد أتت لتعبر عن أزمات الانسان وقضاياه، فشكلت أعمال ديكنز وبلزاك وتولستوي وديستويفسكي وجميس جويس وكافكا وغيرهم دورا رئيسيا وهاما في التعبير عن حياة هذه المجتمعات والأزمات الطاحنة التي مر بها الانسان، فكان لفن الرواية دور اساسيا في ذلك الوقت في تبيان المظاهر السلبية لنمو الصناعة وازمات الحروب والصراعات وهو ما ظهر جليا في روايات مثل الحرب والسلام وعناقيد الغضب فهذه الاعمال كان لها دورا عظيما ومؤثرا وحاسما في الكشف عن الازمات والتخفيف من اثار العالم الصناعي وقسوة وعنف النظام الرأس مالية تجاه المجتمع
فالرواية هي عمل فردي بامتياز وهي نتاج لفنان ومبدع قادر على النظر بعمق وببصيرة الي ألم الانسان سواء على المستوى الفردي كما نرى في المسخ كافكا، وهي أيضا تعبير عن علاقة الانسان بالمجتمع كما في رواية لمن تقرع الاجراس، عكست لنا الحروب التي مر بها العالم من خلال اعمال مثل وداعا للسلاح لهيمنجواي والحروب الاهلية كما في رواية الدون الهادي

والرواية فن انساني عالمي بدأ من اسبانيا مع رواية دنكي شوت لسيرفانتس والتي جعلت من عصر الفروسية جزء من الحياة اليومية للعامة وعندما ألقت بترحالها في أمريكا اللاتينية عبرت الرواية عن بنيتها الحقيقية ومضمونها الفعلي وهو أن تكون روح الشعب اللاتيني في مقاومة الأنظمة الدكتاتورية واتحاده مع الكنيسة الرجعية،

لعبت الرواية في أمريكا اللاتينية دورا إنسانيا عظيما في الكشف عن البني الاستبدادية للأنظمة الفاشية يظهر ذلك في اعمال ايزابيل الليندي مثل ابنة الحظ وبيت الاشباح وهما عملان مميزان بكل المقاييس ورواية حفلة التيس ليسه ويأتي ماركيز على القمة في هذا العالم المتخيل الرائع الذي أعطاه لنا في كل أعماله وبشكل خاص مائة عام من العزلة حيث انتقلت معه الرواية من مجرد التعبير عن الواقع للتعبير عن العالم الإنساني بكافة مشتملاته الواقعية واللاواقعية من خلال تلك الأسرة التي عاشت لمائة عام لنرى كل ما هو متعلق باللاواقعي هو تعبير عميق جدا عن الواقع الإنساني الذي لا يتوقف عند حدود الحياة اليومية لتنطلق الي هذا المتخيل الهائل الذي امتلكته البشرية منذ ميلادها فظهرت الاساطير والوحوش الأسطورية والتنبؤ بالسفر الي الفضاء مع جون فيرن

فالرواية هي فن التعبير عن الانسان بعوالمه المتعددة والمتشابكة انتشرت في عالمنا العربي بشكل كبير مع ثلاثية محفوظ وملحمة الحرافيش وثرثرة فوق النيل التي تنبأت بهزيمة 67 وهناك اعمال محمد شكري وهو الذي قدم الحياة اليومية بشفافية مطلقة مارس فيها الكاتب نوعا من التطهر الذاتي عبر تقديم سيرته الذاتية وهناك بالطبع اعمال حنا مينا وعبدالرحمن منيف بالإضافة الي العديد من الكتاب الاخرين الذين عبروا ببراعة عن ازمة الانسان العربي وقضاياه فتناولوا قضايا التقدم والتخلف واشكالية الوقف على حافة الغرب الليبرالي والشرق الاصولي.

وسواء كنا بصدد فن الرواية بشكل خاص أو قصة قصيرة أو سيناريو أو فلم سينمائي أو شعر أو حتى أغنية أو مقطوعة موسيقية، سنرى في كل العصور إن تتطور الحركات الفنية وتنوع مدارسها كان هدفها الأساسي هو مجارات التغييرات المجتمعية الكبيرة وزيادة كفاءة الفن في التعبير عن أزمات العصر وإشكالياته وقضاياه

وهنا أود أن أشير إلى قضية هامة وهي العلاقة بين فن الرواية والسينما أو الدراما هذه المنظومة الأخطر والأهم في التأثير على الجماعة فمن خلال هذه "المنظومة" يمكن توجيه وإعادة هيكلة الفكر الإنساني للمجتمعات لأنها تصل لكل بيت وتستقر في وجدان الأجيال، فمنها تتشكل قيمهم الأخلاقية والفكرية، قناعاتهم ومبادئهم، انتماءاتهم وسلوكياتهم وطرق تعبيرهم عن انفسهم ومشاعرهم وأزماتهم وأحلامهم والاهم هويتهم، فالفن الروائي هنا ليس فقط اداه للترفيه، بل وسيلة للتربية والتهذيب وأيضا للتغير و سأذهب الي ابعد من ذلك واقول هو أهم أداة للتغيير في كل ثورة سواء كانت هذه الثورة اجتماعية أو سياسية أو دينية فمن منظور مادي أرى أن كل دين هو ثورة على أوضاع سائدة فاسدة، وكل كتاب مقدس هو مدونة للسلوك ورؤية ونظرة الكون وللوجود الروحي والمادي الذي غالبا ما يأخذ شكل القصص، فنجد فيه سير الاولين وقصصهم التي تحمل العبر.

وبالرغم من كون الكتابة هي طريق الكاتب ليتحرر من ثقل الحياة، فهي ايضا حرية وخلاص المجتمعات من الردة الفكرية ووحشة الجهل ورتابة العادة وظلامية الميراث البغيض الذي يسيطر على الوعي الجمعي للجماعة العربية، فتقديس العرب لسلف دون إن يكلفوا أنفسهم عناء إعمال عقولهم فيه والوقوف على مدى موائمته للمصلحة العامة أو المنطق من أهم الإشكاليات المسببة لتخلف، أدرك ذلك الرواد من أمثال طه حسين فتبني في أدبه النزعة التنويرية وعمل على مراجعة الأفكار السائدة فهو يعد من القلائل الذين تبنوا قضايا المرأة في هذا الزمن، أشار الى معانتها في روايته دعاء الكروان، فالرواية هي التي تطرح السؤال وتكشف الغطاء القيح المتعفن داخل الميراث الجماعي، تصوغ الأزمة في قالب فني ييسر وضع المشكلة وعمق أثرها على السطح.

فالرواية هي التي ترصد حال الجماعة وتمكن من التنبؤ بما يمكن أن يصل إليه حالها من خلال الربط بين الشواهد ويمكن أن تشير أيضا الي الحلول وتوجه نظر المسؤولين الي ابعاد القضية وعمق ضررها وحلها أيضا مثال على ذلك فيلم "أريد حلا" للقديرة فاتن حمامة عن قصة الصحفية "حسن شاه"، والذي تسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر، ففي أعقاب الفيلم وجهت جيهان السادات السيدة الاولى آن ذلك اهتماها لقضية التي ناقشها الفيلم وصدر قانون رقم 44 لسنة 1979 والذي سمي بقانون جيهان السادات،

فالعقل العربي المغلف بهذا الخليط الكلسي السميك المتمثل في العادات والتقاليد والنماذج المتعصبة من الاديان تلك التي ترفض أي أدلة أو براهين عقلية أو منطقية تصطدم مع هذا الجدار بشكل مباشر، يمكن للفن إن يحدث فيه شرخا عميقا ويصنع تغيرات حقيقة وبناءه في وعي الأمم، وبناء على ما سبق أود أن أؤكد على أهمية العلاقة بين فن الرواية وصناعة السينما التي تلك العلاقة التي أصبحت مؤخرا رخوة وخافته لما أرى في ذلك من بالغ الأثر والاهمية من الدفاع عن وجدان الجماعة والدفاع عن قضاياها الجوهرية والمحورية وفي تنمية الانسان والمجتمع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق