الخميس، فبراير 03، 2022

الأدب والتسويق الثقافي .. مقال للشاعر والكاتب الصحفى الأمير كمال فرج ابن كفرالزيات

الشاعر والكاتب الصحفى الأمير كمال فرج
عضو نقابه الصحفيين واتحاد كتاب مصر ابن كفرالزيات

 العمل الإبداعي رسالة، هذا لا خلاف عليه، وقبل ذلك، هو صناعة تدخل فيها الاستثمارات الضخمة، ولكن عادة ما ننظر إلى الإبداع من زاوية المبدع فقط، ونتجاهل ما وراء هذا المبدع لكي يصل إبداعه إلى الناس.

هناك اقتصاد ثقافي ضخم يقدر بالمليارات في العالم، يتمثل في البنى التحتية للإبداع، مثل المسارح ودور النشر والأوبرا والسينما والمطابع وأتيليهات الفنون التشكيلية، والمعارض، والصحف، ومؤسسات الفن والإبداع، وكل منها يرتبط بصناعات أخرى تحويلية كبرى، مثل صناعة الورق بالنسبة للنشر، أو صناعات تحويلية صغرى مثل تصميم الأزياء والديكور.

وتتساوى في ذلك الهيئات الرسمية والخاصة، الربحية وغير الهادفة للربح، كلها ترتكز على الاقتصاد، بمعنى أدق: المال. وإذا نظرت إلى الفن التشكيلي ستكتشف أنه صناعة بحد ذاته، إذ تنطبق عليه اقتصاديات الفن بامتياز، حيث يمكن للوحة التشكيلية الواحدة أن تباع بملايين الدولارات. من هناك يبرز مصطلح (اقتصاديات الإبداع).

كما أن الأغلبية مازالوا يعتبرون الأدب عملاً تطوعياً لا يجب أن يرتبط بالمال، وهذه نظرة عاطفية، لأن أي عمل، حتى العمل التطوعي، يحتاج إلى المال، وأي مشروع مهما كانت أهدافه لو فقد عنصر المال سيتعثر. لذلك؛ من المهم الاستثمار في الإبداع تارة، والابتكار في تسويقه تارة أخرى، ولنا في الأوقاف الخيرية مثال، حيث توجد إدارات مختصة في بعض الدول هدفها إدارة الأوقاف وتعظيم عوائدها.

لذلك كله؛ يجب علينا أولاً الاعتراف باقتصاديات الإبداع، وهو ما يعني التعامل مع الإبداع كصناعة، والكتاب كسلعة، يجب أن تتوافر لها كل مقومات الجاذبية لتحقيق الانتشار، ومن ثم الربح، وذلك يتحقق بخضوع المنتج الأدبي لكل قواعد الأعمال، مثل التخطيط للمنتج، ودراسة الجدوى، والتسويق، وقراءة اتجاهات المستهلك، ومن ذلك أيضاً إعداد الدراسات (الاكتوارية).

والدراسة (الاكتواريّة) علم يختص بالمستقبل، يعتمد على مبدأ تخمين المخاطر، باستخدام الطرق الحسابيّة والإحصائيّة. ووفقاً لذلك، من المهم إعداد دراسة (اكتوارية) للأدب تتوقع ماذا سيحدث بعد ربع قرن؟ وما هي الفنون التي ستبقى والفنون التي ستتوارى؟ والأهم؛ ماذا يريد المستهلك/ القارئ؟

والأدب مثله مثل أي شيء في الحياة، يتأثر بالعوامل المختلفة، وبالرغم من أنه؛ وفقاً لمصطلحات السوق، من السلع المعمرة، فإن مؤثرات عدة قد تؤثر فيه، وقد تصيبه، كأي سلعة، بالكساد. وأمامنا العديد من التحولات الدراماتيكية التي حدثت في السنوات الأخيرة، مثل التحول التقني الذي حول المطبعة الضخمة إلى موقع على الإنترنت. لذا؛ فإن التعامل مع الأدب كرسالة تطوعية فقط، يهدد الأدب نفسه، لأنه مهما توافرت الموارد، ستأتي لحظة ما وتحدث أزمة تسمى في عالم الاقتصاد (أزمة تمويل)، كالمشروع التجاري الضخم الذي اهتم بالمنتج، فقدم منتجاً رائعاً، لكنه أهمل التسويق، فكانت النتيجة الإفلاس.

ولذلك فإن المنتج الأدبي في النهاية سلعة تحتاج إلى عدة عوامل لتنجح ويقبل عليها الناس، ولا يشمل ذلك الأدب فقط، ولكن يشمل أيضاً القيم الجميلة بمختلف أشكالها، مثل العمل الخيري، فيجب أن تستخدم فيه أساليب التسويق والترويج لكي يؤتي ثماره.

لذا؛ يجب أن نستحدث توصيفاً وظيفياً جديداً باسم (مدير تسويق الأدب)، تكون مهمته تسويق الإبداع، والاستعانة في ذلك بكل الأدوات التقليدية التي تم التعارف عليها في التسويق التجاري، إضافة إلى الأساليب الحديثة التي وفرتها التقنية، مثل التسويق الرقمي والشبكي والاجتماعي، ويجب أن نستحدث إدارة جديدة باسم (العلاقات العامة الثقافية) تعنى بالترويج للإبداع.

وبالتالي؛ فإن تسليع الأدب لن يساعد الأدب فقط على البقاء، بل سيساعده على التطور والانتشار والتوسع والوصول إلى شرائح جديدة من الناس، وسيساعد أيضاً على تحقيق عوائد مالية تحسن من حياة المبدع، وهي قضية ملحة في الوطن العربي. ذلك أن الأدب، والإبداع عموماً، رسالة، والرسالة لا تتحقق إلا بوصولها إلى المستهدف، والتخطيط والتسويق والابتكار، والدراسة (الاكتوارية) وسيلة مهمة لتحقيق ذلك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق