السبت، أكتوبر 30، 2021

أحلام الحُكام في مصر أوامر وقرارات .. مقال للكاتب الصحفى الأستاذ/ محمد حسين الشيخ ابن قليب ابيار بكفرالزيات

 

الأستاذ/ محمد حسين الشيخ 
كاتب مصري، عمل كصحافي تحقيقات، وكاتب مقالات لعدد من الصحف والمواقع المصرية والعربية منذ عام 2004، وكان مساعدا لرئيس تحرير موقع دوت مصر، ومهتم بالتاريخ والفن. وابن قليب ابيار بكفرالزيات


في حروب الدعاية وكسب التأييد والشرعية، لا يتوارى السياسيون عن استثمار كل وسيلة ممكنة لتوسيع شعبيتهم، وبالتالي مكاسبهم وصلاحياتهم. ولكن للخدع السياسية قوانينها كذلك، التي تضمن عادة بقاءها ضمن حدود المعقول، حيث تخشى نقد المنافسين والخصوم في عالم السياسة، وكذلك الموالين والأنصار. الأحلام هي أحد هذه الخدع، فما هو سرّ انتشارها في الحياة السياسية في مصر؟ وكيف لجأ حكامها، من الملك فؤاد، إلى الرؤساء أنور السادات، ومحمد مرسي، وعبد الفتاح السيسي، إلى استخدام الأحلام كأدوات فعالة في تبرير قراراتهم السياسية؟ وهل هناك من يتساءل لماذا خرجت عن حدود المقبول، وكيف وصلت حد الخرافة والأوهام؟

الملك فؤاد: تَتَوَّج كملك في منام

في كتابه "تفاصيل الشجن فى وقائع الزمن: قصص من التاريخ العربي"، ذكر الروائي والقاص، محمد المنسي قنديل، أن الأمير فؤاد بن الخديوي اسماعيل، كان يعيش في إيطاليا تطارده الديون فعاد إلى مصر، وبينما هو في سفينته، فاجئه خادمه إدريس الأقصري بأنه رآه في منامه وقد صار ملكاً على مصر. في هذه الفترة، عام 1917، كان حاكم مصر السلطان حسين كامل مريضاً على فراش الموت، وكان ولي عهده، الأمير كمال الدين حسين. ولهذا عندا سمع فؤاد حلم خادمه الفلاح رد عليه بلوم واستنكار، ولكن الأقدار كانت ترتب بالفعل لاعتلاء فؤاد عرش مصر. رفض ولي العهد رسمياً تولي الحكم بعد والده المريض، ورفضت بريطانيا طلب الأمير عبد المنعم بن الخديوي عباس حلمي بتولي عرش مصر، وفوجئ فؤاد بالمندوب السامي البريطاني، اللورد وينجت يستدعيه لمقابلته، ويعرض عليه أن يسدد ديونه وأنْ ينصبه سلطاناً على مصر بعد أخيه حسين كامل، وطلب منه كتم الأمر إلى أن يموت السلطان المريض. عاد فؤاد إلى قصره ليجد إدريس يصلي فانتظر حتى فرغ من صلاته، وقال له: انهض يا إدريس بك. لقد تحقق حلمك وسوف تكون صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي. وبالفعل صار فؤاد سلطاناً ثم ملكاً، وصدرت نسخة من الجنيه في عهده عام 1924 وعليها صورة إدريس الأقصري.

أنور السادات، شرح السياسة بالأحلام

الأحلام كان لها دور في حياة الرئيس أنور السادات بل في أهم قراراته، وهي حرب 1973، والسلام الذي عقده بعدها مع اسرائيل؛ اعتبرا حدثاً أساسياً في تحديد مصير المنطقة، وكلاهما كذلك اعتبر إشكالياً بخرقه للعرف السياسي والموقف السائد وقتها. شاع أنّ السادات قد اطمئن لخوض حرب أكتوبر 73 بعدما أخبره شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، بحلم رآه في منامه، يظهر خلاله النبي محمد يعبر قناة السويس قائداً للجنود، بحسب ما ذكر محمود جامع في كتابه "عرفت السادات". ذكر الكاتب الصحافي أحمد بهاء الدين، في كتابه "محاوراتي مع السادات"، الذي يتضمن لقاءات شخصية ومجالس جمعته بالرئيس المصري، أن بداية معرفة المحيطين بالسادات بوجود نية لزيارته الشهيرة للقدس والتي مهدت لاتفاقية كامب ديفيد، كانت رؤية منامية قصها حسن التهامي، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية على السادات، يخبره فيها بأنه رآه يصلي في المسجد الأقصى والجميع حوله، وأقربهم إليه هو التهامي، وكان المسجد يملأه المشايخ وفوق رؤوسهم العمائم. 
عندما تصبح الأحلام باباً لتدعيم شرعية الحكام، هل معنى ذلك أنهم قد أفلسوا سياسياً؟
خطة الدعاية والخطاب السياسي، لماذا لا يتقنها الحكام العرب؟
ويشير بهاء الدين، إلى أنّ السادات قرّب التهامي منه أكثر بعد هذه الواقعة، وقال عنه للناس: "فيه شيء لله، ومكشوف عنه الحجاب". وبعدها علم الجميع أن الاتصالات المصرية الإسرائيلية تدور في السر بوساطة مغربية، وأن التهامي كان مندوب السادات في مفاوضات مع موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها. وانتهت تلك الاتصالات بزيارة الرئيس للقدس عام 1977، وأعقبها مفاوضات ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

السادات يصلي في المسجد الأقصى في القدس

محمد مرسي، رؤى وأحلام لم تتحقق

لأنصار الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، صولات وجولات مع الأحلام، لكن مصيرها لم يكن موفقاً إذ أنها عبّرت عن رؤى سياسية لم تتحقق. أشهرها ما حكاه الدكتور جمال عبد الهادي، أحد قيادات جماعة الإخوان، التي ينتمي إليها مرسي، وهو أنّ أحد العلماء شاهد 8 حمامات خضراء تقف على كتف الرئيس محمد مرسي، وأوّل ذلك بأن مرسي سيكمل مدة 8 سنوات في رئاسته. وفي رؤية أخرى يحكيها عبد الهادي، أن النبي كان في جمع مع الناس فقدموه للصلاة بهم، فقال لهم: بل يصلي بكم الرئيس محمد مرسي. وفي هذا التوقيت كانت الدعوات المطالبة بخلع مرسي على أشدها. رؤية منامية أخرى قصّها عبد الهادي، رآها من وصفهم بـ"بعض الصالحين" في المدينة المنورة، مفادها أنه شاهد صحراء بها 50 جملاً، وبها شباب وأطفال صغار يلعبون في الرمل، ومع الوقت جاع الشباب والإبل واشتد بهم العطش ففزعوا، ودعوا الله أن يفرج همهم، فإذا بالأرض تنفرج وتخرج منها ساقية ارتفاعها 10 أدوار لترتوي منها الإبل والناس والأطفال، وأثناء ذلك سمع الناس صوتا يقول: "ارعوا إبل الرئيس محمد مرسي". ثمّ أثناء اعتصام جماعة الإخوان في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، رفضاً لعزل مرسي، ظهر جمال عبد الهادي من جديد ليعلن رؤية منامية قصها عليه "أحد الصالحين بالمدينة المنورة" بحسب قوله، مفادها، أنّ جبريل دخل مسجد رابعة العدوية ليثبّت المصلين على موقفهم ضد النظام الحاكم وقتها.

السادات يبارك السيسي في منام

في تسجيل مسرب، وخلال حواره مع الصحافي ياسر رزق، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن له تاريخ طويل مع المنامات والرؤى، مشيراً إلى أن رؤاه تتحقق دائماً بعد أن يراها. وحكى السيسي أنه حلم بأنه سيكون رئيساً لمصر، حيث شاهد في منامه الرئيس السادات يتحدث إليه قائلاً: "أنا كنت عارف إني هاكون رئيس الجمهورية"، فرد عليه السيسي: "أنا كمان عارف إني هاكون رئيس الجمهورية". وكان ذلك، كما قيل، قبل أن يصبح السيسي رئيساً، أثناء قيادته للجيش بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي.  المسألة لم تتوقف عند الرؤساء، بل إنّ أحد السياسيين المصريين، وهو أحمد الصباحي، رئيس حزب الأمة الراحل، دعا ليكون هناك دور أكبر للأحلام المنامية في الواقع المصري، وطلب من وزير التعليم المصري تدريس منهج "تفسير الأحلام" في المدارس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق