- تعال بسرعة .. البوابة وقعت..
لست أدرى ما أصابني ، توتر ..
مس من الجنون ، جعلني أرتدي ملابسي بسرعة وأجرى إلى الشارع ،
أبحث عن سيارة تطير بى الآن إلى
الإسكندرية .
صوت (هدى) عبر الهاتف مضطرب .. متوسل..
مزعج.
سبقتني هي والأولاد لقضاء الأجازة ، على أن أذهب إليهم في يوم عطلتي ، الإسكندرية تستهوينى منذ الصغر ، مذ كان أبى يحجز لنا في مصيف الشركة .
ما أن حصلت على الشقة في مدينة البحر التي أعشقها، استقبلتني (حميدة )، قصيرة، جسدها مدكوكا في بعضه، لا تتحدد منه ملامح، خصلات من شعرها الأبيض تبدو من تحت طرحتها السوداء المعقوفة فوق رأسها، وجهها المتغضن جعلني أندهش عندما قالت.
-
أنا البوابة ..
ثم مدت خطاها أمامي في عرج خفيف
حتى المصعد .
-
نقلناها المستشفى.
دخلت (حميدة ) قلبي ، واعتبرتها
(هدى) واحدة من نساء العائلة ، رغم صوتها العالي ، الذي تعودنا عليه وهى تنادى على
السكان إنها قضت حوائجهم ، أو أثناء شجارها مع ( عزيزة ) صاحبة العمارة التي تريد
أن تطردها ، وكان زوج (عزيزة) قبل وفاته في السجن ، قد حرر عقد إيجار لحميدة
بالغرفة التي في بئر السلم ، وكانت تلك الأصوات العالية – بعد تدخل نساء العمارة –
لها أصداء تلطم الحيطان كعاصفة ساخنة لا تهدأ.
أثناء صعودي أو هبوطي أراها
جالسة أمام غرفتها، غرفة مظلمة يضرب فيها نور السلم بخفة، فيبدو وجهها جليا..
كئيبا ، تفاجئ الصاعد .
-
من أنت ؟ ولمن تصعد ؟
وتسأل الخارج – هل ستتأخر ؟
ربما تكون معها الآن ، (هدى )
لم تقل اسم المستشفى ، وقلبها لا يتحمل رؤية من مرضى يعانون الآلام ، كثرا تعطى (
حميدة ) من ملابسها ، أحذية ، شباشب ،ترسل
أطباق الطبيخ ، بعض الحلوى .
يدق جرس الباب في الصباح ، أفتح
، استسلم لعينيها الرماديتين ، أتناول كيس العيش والفول ، أشكرها وأغلق الباب ،
حتى لا تعاود سرد حكايتها عن أبيها وأخيها وزوجها ، وتختم بعد ما يقرب من الساعة ب
( الله يرحمهم جميعا )، تهبط في استسلام ، فأسمع صوت نزولها يخبط السلالم ، بنعلين
ضخمين يرن .
تتعجب (هدى)لاهتمام (حميدة )
الزائد بالبوابة ! تنظيفها..تلميعها..حتى دهانها – كل مدة –
يستيقظ السكان ليروا أن لون
البوابة تغير، من الأحمر للأصفر، من الأخضر للأسود.
يتعجبون وهى تمد يدها ليدفع كل
ساكن نصيبه من الطلاء .
-
أنا دهنتها في الليل .. اللون
القديم أجرب .
أضحك وأقول – ليس غريبا في هذه
الأيام أن يصحو الإنسان ليجد ما حوله قد تغير، دون أن يشعر ودون أن يكون له يد في
هذا التغيير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق