الشاعر والروائى الكبير الأستاذ/ محمد صالح
أيها العصفور الحزين مثلي
من الذي دلك علي هذه النافذة ؟
من أخبرك بأن ها هنا ينام حزين يحصي الراحلين
ويتفقد صورهم علي جدار قلبه
ويرتل كتاب الوجع
يطالع المرارة صفحة صفحة
من علمك الحزن أيها الجميل ؟
من شال الزقزقة من لسانك ؟
الحزن بوابة الوحيدين
ومن تقطعت بهم السبل
ومن عرفوا آخر الحكاية .
كان يا ما كان ،
كان لي حبيبة
تشرق كل صباح بحكايات جديدة
مطرزة بالوصل
وأحلام تدسها سرا في جيبي
ذهبنا سويا الي الحانة ، والملهي، والبحر، والسرير .
قشرنا الحزن عن أجسادنا كثيرا
زرعنا البهجة في جنبات بيتنا الصغير
مشينا علي أطراف أصابعنا حتي لا نفزّع الأحلام
حبيبتي مضت سريعا
مضت كما تمضي كل الأشياء الجميلة .
أحبائي مضوا خفافا ووحيدين
مضوا لأنهم مضوا قبل ذلك أمام المتجر، والمخبز ، والمشفي .
الآن أنا وحيد وحزين
أشبه تماما ساقية مهجورة عند آخر الحقول
وجميزة عجوزا تنخرها الريح
من أين ينبع الحزن أيها الصغير
وطريقك معبدة بالقمح والماء القراح ؟!
وأنا أشتهي جناحين لأحلق بعيدا
كما يليق بحزين .
الذين جربوا الحزن يعرفونه من رائحة البكاء
ومن طعم الصمت
وأشجار الحنين
من القطع التي تسقط من أجسادهم كل يوم
دون وداع يليق
كل الذين جربوا الحزن صاروا شجرا يابسا
بلا أعشاش أو عصافير
صاروا أرغفة قديدة
مزنا قاتمة
وشموسا ذابلة .
الآن صرت أخشي المشي ، حاملا أحزاني
أحزاني التي تتناثر من حولي كلما مشيت ،
وعلمني الروماتويد انتقاء الطرق ذات المقاعد
وعلمني السكريّ
ارتياد مقاه بدورات مياه
وعلمني الحزن أن أخبأ أحبتي
في ثنايا القلب
وأن أفتح النافذة عل عصفورا
يقاسمني الوجع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق