ضفافنا ملتقى لمبدعى ومثقفى وعلماء ونجوم كفرالزيات, ولا يدخلها إلا المثقفين

الثلاثاء، أغسطس 11، 2020

السر .. قصه قصيره

 بقلم الأستاذ/ على الفقى المحامى والروائى الكزداوى


بعد فترة انقطاع طويلة بين المرحوم والده وعمه بسبب الميراث ،قرر (بهاء) ان يزور العم المريض ،زيارة المريض واجبة فضلا عن صلة الرحم ،ازاح وحدته التى نشأ بها دون أخوة واتجه ليصافح اولاد العم ويوطد علاقته بهم .
رحب به الجميع بعيون تلمع بوميض التوجس الزائغ بينه وبين الرجل الغريب - كان رجلا ضخما يحتل نصف الكنبة البلدى المواجهة لسرير عمه- لم يحدد ملامحه من خلال الطرحة البيضاء التى يغطى بها وجهه،أراد أن يقطع الصمت الذى غلف الحجرة بحيرة النظرات ، قام يهم بالانصراف فأشار له عمه أن يقترب ،همس فى أذنه- أرجوك لا تخبر أحدا أنك رأيت هذا الرجل عندى لأنه سر وهو سيغادر قريبا جدا..
أخفى الشاب اندهاشته وراء ابتسامة شاحبة ..انصرف تودعه عيون أولاد عمه المترجية بحفظ السر .
إلى من يقول هذا السر ؟ كما يظن عمه ، ليس له أصدقاء ليحكى لهم أى شىء وتعلقت علامة تعجب على شفتيه.
فى اليوم التالى ناداه العجوز صديق عمه أثناء خروجه من المسجد، واضعا يده المهزوزة على كتفه ..أرجوك يابنى لا تخبر أحدا بوجود هذا الرجل الغريب عند عمك .
أومأ بهاء برأسه علامة الإيجاب خافيا عينيه المتعجبتين وسار تاركا العجوز الذى ارتفع صوته فى أعقابه - لماذا لا ترد يابنى ..أتريد أن تفشى السر ...
أسرع الشاب فى سيره ، دخل محل الاسكافى ليرتق حذاءه الذى خلعه وجلس على دكة ساندا ظهره على باب المحل ،يتنفس بعمق ،مغمضا عينيه على ابتسامة الاسكافى الذى مال باجتهاد على اصلاح الحذاء .
طرقت فى رأسه فكرة الحصول على أجازة من عمله يسافر الى أية مدينة ساحلية ويلقى بنفسه للبحر ويخرج منه دون هموم ..ليجد هذا الغريب الذى لا يفكر فيه قد سافر ..ولن يفكر فى عمه ولا الاسرار التى لا يعرفها ..نظر الى ابتسامة الاسكافى ..ما المانع فى انه يترك هذا الحذاء ويمشى حافيا.أليس هذا الحذاء الذى قاده لزيارة عمه ؟سيشترى حذاء آخر من جوار البحر .
قطع الرجل استرسال أفكاره بوضع الحذاء فى قدمه-انتهيت يا أستاذ.
انتبه بهاء على سؤال الرجل الذى لم تفارقه الابتسامة - حضرتك الذى زرت عمك بالأمس ؟
لم يشعر الشاب باصطدام مؤخرة رأسه بمزلاج الباب الحديد وقبل أن يهم رالأجابة اكمل الرجل وقد انزاحت ابتسامته على زاوية فمه - عمك يستحلفك بألا تخبر أحدا بالسر ووجود الغريب عنده.
ارتعش وقام يتخبط بذعر ..يصرخ ..حرام عليكم ..حرااام .. هم يسرع قطب الرجل المصبوغ جلبابه بألوان ورنيش الأحذية ..حرام عليك انت ..عايز تفتش سر عمك ..
خرجت رؤس النساء من النوافذ والتف الرجال حوله من المقاهى وفرغ الأولاد من ألعابهم ..صنعوا جميعا حوله دائرة ضربوا جسده النحيل بأصواتهم العالية - عمك سيموت منك لأنك تريد أن تفشى سره ، انت غير أمين على الأسرار .
وبدأت أياديهم وأرجلهم فى الضرب والركل والصراخ والوعيد وسرت جلبة فى المدينة كلها التى ذاع بين شوارعها وحواريها ، حتى انتبه الجميع على سريان سحابة كبرى و شىء ضخم فى السماء 
يسبح سباحة المبتدىء حتى انسل بهاء من بين أرجلهم ،استطاع الوقوف بصعوبة تتساقط من جروحة بقع الدم ،تاركا عينيه متعلقتان بما يسبح فى السماء.

ليست هناك تعليقات: