"نحن جوعى، مضت 18 يوما بدون طعام" – تشبه هذه الصيحة أصوات عمال مضربين في بلد من بلدان العالم الثالث اليوم، ولكنها في الحقيقة جاءت من أول إضراب سجل في التاريخ، كان ذلك منذ أكثر من 3000 سنة في مصر. وقام بالإضراب عمال المقابر في قرية "دير المدينة" بالقرب من "وادي الملكات" في عام 1151 قبل الميلاد.
كانت مصر آنذاك مجتمعا منقسما بوضوح إلى طبقات: في القمة كان الفرعون أو الملك، وكان يتحكم عمليا وبشكل شامل في كل الحياة الاقتصادية في الدولة، وكان يستخدم في ذلك مجموعة من الموظفين الحكوميين والكتبة والفرسان والكهنة. وشكل هؤلاء فيما بينهم طبقة من الأعيان وتمتعوا بمزايا كبيرة. فالكتبة كانوا مسئولين عن تحديد نسب الضرائب وعلى من يجب دفعها، وكانوا يقومون بحسابات هندسة وجدوى المشروعات الضخمة، كما كانوا يعدون قوائم بأسماء من سوف يتم تجنيدهم لأعمال البناء أو للخدمة العسكرية.
وتمتع هؤلاء الكتبة بمرتبات مجزية ومكانة مرموقة. حصل الفرسان كذلك على مزايا كبيرة في صورة أراضي وعبيد وجواري وكانوا يمتلكون عربات للنزهة يسيرون بها في الشوارع في مشاهد استعراضية، أما الكهنة وعائلاتهم فكانوا يعيشون على امتلاك خراج الأرض وعلى القرابين التي تقدم بوفرة للآلهة. أما الأغلبية الساحقة من السكان فكانوا يعملون في زراعة الأرض، يخمشون الأرض بأدواتهم الخشبية وكان عليهم دائما أن يدفعوا جزءا من إنتاجهم للدولة أو الملك في صورة ضرائب، كما كانوا معرضين دائما لأن يتم استدعائهم للخدمة العسكرية أو لأعمال البناء.
وتمتع هؤلاء الكتبة بمرتبات مجزية ومكانة مرموقة. حصل الفرسان كذلك على مزايا كبيرة في صورة أراضي وعبيد وجواري وكانوا يمتلكون عربات للنزهة يسيرون بها في الشوارع في مشاهد استعراضية، أما الكهنة وعائلاتهم فكانوا يعيشون على امتلاك خراج الأرض وعلى القرابين التي تقدم بوفرة للآلهة. أما الأغلبية الساحقة من السكان فكانوا يعملون في زراعة الأرض، يخمشون الأرض بأدواتهم الخشبية وكان عليهم دائما أن يدفعوا جزءا من إنتاجهم للدولة أو الملك في صورة ضرائب، كما كانوا معرضين دائما لأن يتم استدعائهم للخدمة العسكرية أو لأعمال البناء.
في الأعوام الـ26 التي سبقت عهد رمسيس الثالث تعاقب على الحكم خمس فراعين وكانت المقابر تحتل مكانة هامة لدى الفرعون والشعب على السواء، إذ تؤكد عقيدة ذلك الوقت على "خلود" روح الملك فيما بعد الحياة، اعتمادا على حفظ مومياء الجسد سليمة دون مساس. وكان هذا يعني أن الملك في حاجة دائما لعمال من أجل بناء وتزيين وحراسة المقابر. وكان كل ملك يريد لمقبرته أن ينتهي العمل فيها قبل أن يموت. ولكن لا أحد يعلم متى يموت الملك، لذلك كانت هذه المهلة غير المحددة تعطي لعمال المقابر وضعا أفضل في طلب حقوقهم وبعض المزايا الإضافية أحيانا.
شكل عمال المقابر جزءا صغيرا جدا من العمال المؤهلين، وكانوا يتقاضون أجورا جيدة نسبيا، ويتسلمون أجورهم في صورة "جراية" من القمع والذرة والسمك والخضروات. كذلك كان الكثير من أعمالهم مثل تكسير وخلع الأحجار أعمالا شاقة وكانوا يؤدونها في أجواء لا يمكن تصور درجة حرارتها. وتميز هؤلاء العمال باستخدامهم أدوات معدنية (وخصوصا النحاسية) في بناء وتزيين المقابر للخاصة الملكية وللأسياد المسيطرين. وكان بين هؤلاء العمال النجارين والمحارين والرسامين المهرة. وعلى غير العادة في ذلك الوقت كان الكثير من هؤلاء العمال يجيدون القراءة والكتابة، ويتأكد ذلك من تلك الكتابات التي تركوها خلفهم واكتشفها علماء المصريات فيما بعد، وعموما فقد عرف عمال المقابر كفرق عمل تعمل مباشرة في خدمة الملك، وكان البعض منهم يتمتع بدخل إضافي من امتلاك قطعة أرض تزرع فيها النساء عندما يكون الرجل في المقابر، البعض الآخر تمتع بدخل إضافي من بعض الأعمال الإضافية مثل صنع الأثاث ومستلزمات الجنازة. غير أن الأغلبية من هؤلاء العمال كانوا يعتمدون أساسا على "الجراية" كمصدر رئيسي ووحيد للطعام. وكانت هذه الجراية كافية لأن تطعم أسرة مكونة من عشرة أفراد. غير أنهم في حاجة دائمة إلى فائض ليقايضوا به على السلع الأخرى. اثنان من عمال المقابر كان يتم تعيينهما كمشرفين للعمال، وكانوا يتقاضون أجورا أعلى نسبيا، كما أنهم كانوا يستغلون وضعهم فيقومون بتشغيل العمال سرا لحسابهم الخاص. وكان من المفترض أن يعبر هؤلاء عن رغبات ومصالح العمال غير أنهم أصبحوا فئة "سوبر" حريصين على ألا يفقدوا امتيازاتهم وحريصين على أن يضمنوا فرصة عمل دائمة لهم ولأبنائهم فيما بعد.
حدث الإضراب في العام التاسع والعشرين من فترة حكم رمسيس الثالث التي امتدت لأكثر من 30 عاما، وكان طول فترة رمسيس يعني أن الجزء الأكبر من مقبرته قد تم الانتهاء منه، لذا شعر رمسيس بقلة حاجته إلى هؤلاء العمال. من جهة أخرى تعرض نظام حكم رمسيس إلى مجموعة من الضغوط والأزمات فنقص إنتاج القمح بحدة مما أدى إلى تفاقم المشاكل الإدارية كما أن بعض الأقاليم التي كان قد أخضعها في حروب سابقة قد بدأ يفقد سيطرته عليها كما نقصت إلى حد كبير غنائم ومكاسب الحروب.
وكان عمال المقابر هم أول من تعرض لهجوم رمسيس في محاولته لتخطي أزماته، فقد كان من المفترض أن يتسلموا جرايتهم في اليوم الثامن والعشرين من كل شهر، غير أن الجراية تأخرت كثيرا مما أدى إلى تعريض العمال إلى الجوع والعطش والأمراض وتصاعد التوتر في أوساط العمال وبدوا وكأنهم على حافة الفعل.
وكان أي عمل يمر عبر مشرفي العمال، فقد بدأ رهان العمال على أن يلعب المشرفون دورا، بداهة كان الرهان خاسرا، فهؤلاء المشرفون لن يغامروا أبدا بفقدان وظائفهم ولن يقفوا مع العمال. المشرف العام والذي وظيفته أن يراقب العمل والعمال والمشرفين لم تفلح معه أي مناشدات. فهو أكثر حرصا من المشرفين على امتيازاته. وأصبح العمال على وعي تام بأن حكم رمسيس الثالث قد أوشك على النهاية وأنهم إذا ما أرادوا الحصول على حقوقهم فعليهم أن يقاتلوا من أجلها.
في البداية، نظم العمال مسيرة صامتة إلى منطقة المعابد وأوصلوا شكواهم إلى الفرعون، غير أن عمل اليوم الواحد لم يكن كافيا، ففي اليومين التاليين سار العمال إلى المعابد و"أضربوا" للمرة الأولى عن العمل. وأعلنوا "جئنا إلى هنا بسبب الجوع والعطش" "لا طعام ولا ملابس ولا أدوية" "أخبروا الفرعون ربنا الأعلى عن حالنا واطلبوا منه أن يحمي أقواتنا"، وأعلن العمال أنهم لن يغادروا المكان حتى تحل مشاكلهم وليس مهما من أين سوف تأتي الجراية، واستمر الإضراب 11 يوما حتى تحقق النصر، ولكنه كان نصرا جزئيا، صحيح أن العمال ولمدة شهرين بعد ذلك كانوا يتسلمون جرايتهم في الموعد المقرر، غير أن الكميات أصبحت أقل مما كانت عليه، لذلك دخل العمال في الإضراب لمرة ثانية ولمدة 11 يوم أخرى حتى حققوا ما أرادوا. فأصبحوا يتسلمون جرايتهم في الموعد المقرر وبنفس الكميات التي اعتادوها، وعادوا إلى العمل.
بعد ذلك بعامين، قتل رمسيس الثالث وتولى رمسيس الرابع الحكم واستقبله عمال المقابر بابتهاج، فالفرعون الجديد يعني بناء مقبرة جديدة بما يوفر لهم فرصة عمل مستمرة فانخرطوا في البرنامج الجديد لبناء مقبرة رمسيس الرابع.
إن تاريخ هذا الإضراب يبين بوضوح أن الصراع الطبقي ليس شيئا يصنعه "محرضون ماركسيون" من الخارج كما يؤكد هذا الإضراب أن كفاح العمال يعود لأكثر من 3000 سنة عندما تعلم العمال الدرس الأساسي، وهو أن اللغة الوحيدة للتفاهم هي أن يعملوا معا ضد أي تهديد لمصالحهم.
منقول للفائده وللعلم ولطرافه الخبر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق