الشاعر والكاتب الصحفى الأمير كمال فرج عضو نقابه الصحفيين واتحاد كتاب مصر وابن كفر الزيات |
للترجمة دور مهم في التواصل الإنساني، ففي عالم يحتضن (7102) لغة حية، ساعدت الترجمة على الفهم، وهو أول متطلبات التعامل والتعايش والتعاون بين البشر.. عن طريقها تنتقل الأفكار والرؤى من بقعة جغرافية إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، لتتعاظم رسالة الثقافة، وتبلغ كل بقاع الكون.
وحتى تعرف أهمية الترجمة؛ تخيل أنها لو لم تكن موجودة، لتحول العالم إلى كيانات صغيرة متباعدة، كالقبائل المنعزلة في الغابات، كل منها يتمسك بطقوسه البدائية، كل منها معرض للانقراض.
والترجمة علم قديم، كل حضارة أخذت عن الأخرى، ومن أهم عوامل التأثر هي الترجمة، لذلك يمكننا القول إن التطور الإنساني، كان في كثير من الأحيان، محصلة لعملية تلاقح وتبادل ثقافي كبيرة عمادها الترجمة.
بدأت الترجمة الشفوية منذ القدم مع ظهور وتمايز اللغات، ولكن الوجود الفعلي للترجمة بدأ بعد اختراع الكتابة، وكان اليونانيون القدماء أول من اعتبر الترجمة علماً قائماً بذاته، ولكن الترجمة كمهنة، يعود الفضل في نشوئها إلى الدولة العباسية، فيما يؤرخ لترجمة الإبداع الأدبي من بداية القرن العشرين.
وللترجمة أنواع؛ منها الترجمة التحريرية، والأكاديمية، والتتبعية، والعلمية، والترجمة الفورية، والترجمة الأدبية، وهي أصعب الأنواع، لأنها لا تنقل الكلمات والمعاني فقط، ولكنها عملية فكرية إبداعية متكاملة، تنقل العاطفة، والمعنى، والأسلوب، والخيال، وهي عملية معقدة تشبه عملية نقل الدم. قد يكون من السهل نقل المعاني من خلال الترجمة المباشرة، ولكن من الصعب نقل الأسلوب الإبداعي والخصائص الأدبية للمبدع.
وفي الترجمة الأدبية إشكاليات ومزالق كثيرة، مثل المصطلحات والمدلولات اللفظية، والبعد الثقافي، والفروق بين اللغات، والسمات الخاصة للغة الأصلية، والبعد القانوني، والتراجم المتعددة، كما أن هناك أسئلة مفتوحة، منها: هل الترجمة إعادة صياغة، أم إعادة إبداع للنص الأصلي؟ هل الترجمة تنقل فقط الألفاظ والمعاني، أم تنقل الصور والأسلوب؟ وما هي نسبة الإبداع من النقل في الترجمة؟ وما هي مواصفات المترجم الأدبي؟ هل تكفي معرفته الوافية باللغتين. أم هناك مقومات أخرى؟ وأخيراً حقوق النشر بين المترجم والمبدع الأصلي؟
ولعل السؤال الأهم الآن: ما هو مستقبل الترجمة؟ خاصة مع السباق الجاري لتطوير الترجمة الآلية، فهناك محاولات جادة تقوم بها كبريات شركات التكنولوجيا، مثل: فيسبوك، وجوجل، ومايكروسوفت، للخروج بترجمة أدق.
على سبيل المثال؛ لدى شركة فيسبوك مشروع لتطوير الترجمة الآلية، يعتمد على الشبكات العصبونية الاصطناعية، فبعد أن كانت الترجمة التقليدية تقوم على تجزئة الجملة لمجموعة من الكلمات أو العبارات، تعمل التقنية الجديدة على تحليل الجمل وطريقة تركيبها، والسياق الذي وردت فيه، لتوليد ترجمة أكثر دقة.
كما أدى دخول الذكاء الاصطناعي إلى توفير ترجمات دقيقة وسريعة واقتصادية، وقد بدأت بعض الصحف، مثل (فوربس)، في استخدام الذكاء الاصطناعي في ترجمة التقارير، في طبعاتها متعددة اللغات، وهذا يعني أن الترجمات في المستقبل ستقترب، وربما تتطابق مع الأصل.
وكل هذا يؤكد أن مستقبل الترجمة حافل بالمفاجآت، فالترجمة العامة ستتطور، والتقارب الإنساني سيزيد، والعالم سيصبح بالفعل، وقريباً جداً، أمة إنسانية واحدة.
لن نقع في السؤال التقليدي الذي يفكر به البعض، وهو: هل تنتهي الترجمة الأدبية؟ فالواقع يؤكد أن الجديد لا يلغي القديم، ربما يأخذ بعضاً من جمهوره، ولكن لا يلغيه، فالتلفزيون لم يلغِ المذياع، والإنترنت لم تلغِ الكتاب.
أما بالنسبة إلى المترجم، لا أعتقد أن الترجمة الآلية ستلغي وظيفة المترجم، لأن هناك أشياء لا تصنع، مثل المشاعر والعفوية والحس الإنساني، لذلك سيظل الجهد البشري معياراً أصيلاً في التقييم والتفكير والإبداع، والدليل على ذلك، الفرق بين الوردة المصنوعة والوردة الطبيعية، والفرق بين المنتجات الصناعية و(الهاند ميد) الصناعة اليدوية.
والسؤال الأجدى الآن.. كيف تستفيد الترجمة الأدبية من هذا التطور الكبير الذي يحدث؟ الترجمة الأدبية يمكن أن تستفيد من (الخوارزميات) الجديدة، والذكاء الاصطناعي، وأي فكرة جديدة تقدمها التقنية في حل بعض الإشكاليات التي تواجهها، وتقدم لنا ترجمة أدق تنقل الأفكار والرؤى، وأيضاً الإبداع الإنساني الكبير بأقل قدر ممكن من الأخطاء، وهذا في حد ذاته إنجاز عظيم.
أقرأ أيضاً
قصائد ومقالات أ/ الأمير كمال فرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق