الاثنين، فبراير 06، 2023

المسرح.. وتفاعليته مع الحياة .. مقال للشاعر والكاتب الصحفى الكبيرالأستاذ/ الأمير كمال فرج ابن كفر الزيات

 الشاعر والكاتب الصحفى الأمير كمال فرج
عضو نقابه الصحفيين واتحاد كتاب مصر وابن كفر الزيات

 

عندما قال عميد المسرح العربي (يوسف وهبي): (وما الدنيا إلا مسرح كبير)، فإنه رمى بذلك إلى حقيقة واقعة، سبق أن أكدها وليام شكسبير، وهي أن الحياة الواقعية بشخوصها وأماكنها، والصراع الأزلي بين الخير والشر، ما هي إلا مسرح كبير نابض بالوجوه والأنماط والأحداث والدراما الإنسانية.

وهذا الرأي التوصيفي، لا يؤكد فقط أن المسرح قطعة من الحياة، ولكنه يشير إلى الميزة المهمة التي يتميز بها المسرح، وهي التفاعلية، وهي تعني الاتصال ثنائي الاتجاه بين المبدع والمتلقي، لأن المشاهد يشاهد المسرحية رأي العين، يتابع شخوص العمل، ويراقب انفعالاتهم، يسمع طبقات الصوت، ويشعر بخلجات النفوس، ويتفاعل مع الأحداث دون وسيط.

وفيما تتضمن كل الفنون الأخرى؛ كالشعر والقصة والرواية والتشكيل، مسافة زمنية بين الإبداع والتلقي، تقصر هذه المسافة أو تطول، يقدم المسرح ساخناً كرغيف الخبز، لحظة الولادة والإبداع فيه، هي نفس لحظة التلقي، ومن هنا كانت فرادته، وعمق تأثيره.

جمهور المسرح جزء لا يتجزأ من العمل، وهذه العلاقة راسخة منذ نشأة المسرح القديم، يقوم الجمهور أحياناً بدور الشاهد، أو هيئة المحلفين، أو الضمير المجتمعي، وفي بعض العروض يوظف المخرج الجمهور في الأحداث، ويخاطبه، وتتجول الشخصيات بين الصفوف، فيتحول الناس هنا، بمختلف فئاتهم، إلى بيئة اجتماعية حاضنة للمسرحية.

هناك فرق بين الاستماع إلى قصيدة في ندوة، والاستماع إلى تسجيل مرئي لها، هناك فرق بين الاستماع إلى أغنية عبر سماعة الأذن، والاستماع إليها وجهاً لوجه من المطرب، في حفل حي نابض بالحياة، هناك فرق بين أن تتسمر أمام الشاشة لتشاهد مسرحية مسجلة، تتخللها الإعلانات، وحضور عرض مسرحي في المسرح، بطقوسه العريقة: الدقات الثلاث، الفتح البطيء للستار.. تجربة ممتعة، تشرئب لها الأعناق، وتعلو الهمهمة، ويبدأ التصفيق، وتتابع الأحداث بكل جوارحك.

مع تقديري للتقنية القادرة على النقل الآني للعمل، وما توفره أحياناً من مشاهد ومؤثرات صوتية مجسمة، وأحياناً بشاشات وسماعات توفر لك قدراً من المعايشة، فإن الحضور الشخصي للعمل المسرحي، ومازال، لا يضاهى. وفي هذا الحضور سر المسرح، فالمسرح تجربة حياتية واقعية نابضة بالحياة، تتلاشى فيها لحد كبير الخطوط الفاصلة بين التمثيل والواقع.

والعمل الفني المسجل، يخضع للتدخل الفني والمعالجة والمونتاج والمكساج وغيرها، ومشاهدة المسرحية عبر التلفاز أو أجهزة البث التقنية، تفقدها أهم ما تتميز به وهو الحضور، فلا تختلف المسرحية عن التمثيلية، أو الفيلم السينمائي، أو أي فن آخر، ووجود وسيط تقني ينقل العمل المسرحي، يفقد المسرح التجربة الحضورية بما تتميز به من مشاعر وأحاسيس، وأيضاً تأثيرات مهمة.

من الممكن الاستفادة من التقنية في التوثيق والتأريخ، ونقل الثقافة المسرحية لأعداد أكبر عبر الوسائط المختلفة، ولكن تجربة المسرح الحقيقية، لا تكتمل إلا في المسرح المادي، حيث المشاهد في قلب الملعب، وفقاً للتعبيرات الرياضية، وفي قلب الحدث وفقاً للغة الأخبار.

والعرض المسرحي؛ يكمن نجاحه في أنه يقدم في شكل واقعي، تفاعلي، تتجلى فيه التلقائية والعفوية، وبرغم ثبات السيناريو، يتبارى الممثلون في التجويد عرضاً تلو الآخر.

ومع تقلص الإقبال على دور السينما بفعل التكنولوجيا، التي سهلت للناس مشاهدة العمل السينمائي في المنزل والسيارة والنادي، وحتى أثناء ممارسة الرياضة، يتقدم المسرح ليحتل مكانة السينما المادية.

لذلك؛ يجب أن يكون المسرح مرفقاً أساسياً في تكوين أي مجتمع، كتدريب عملي على الحياة، وهو بهذه الصيغة لن يكون فقط مرفقاً ترفيهياً، وتلك قيمة في حد ذاتهاـ ولكن سيكون أيضاً مرفقاً للتعليم والتثقيف والتنوير.. مدرسة واقعية في الحياة.

ولتحقيق ذلك؛ يجب الحفاظ على طقوس المسرح وتقاليده العريقة، وأهمها الحضور والتلقائية والعفوية، والتجربة الشخصية.


أقرأ أيضاً

قصائد ومقالات أ / الأمير كمال فرج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق