الخميس، أكتوبر 06، 2022

الوجه الإيجابي للحرب .. نص الكلمة التي ألقاها الأديب الكبيرأ/ محمود عرفات ابن كفر الزيات في احتفال فرع اتحاد كتاب وسط الدلتا بذكرى انتصار أكتوبر 73

الأديب الروائى/ محمود عرفات ابن كفر الزيات
روائى وقاص مصرى حاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عام 2005م عن المجموعة القصصية "على شاطئ الجبل". شارك فى انتصارات أكتوبر المجيدة عام 1973م، كضابط احتياط فى أحد التشكيلات القتالية المدرعة .عضو اتحاد كتاب مصر.عضو نادى القصة و الجمعية المصرية للسرديات.وابن كفر الزيات


 سعدت بحضوري احتفال فرع اتحاد كتاب وسط الدلتا بذكرى انتصار أكتوبر 73، وبالحضور اللافت للمبدعين والمثقفين. تحدث في الاحتفال الناقدة صباح عبد الهادي ومقاتل الصاعقة الأديب سامي كامل الرفاعي والمبدع الأستاذ فخري أبو شليب، وقدم الاحتفال الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس فرع اتحاد كتاب وسط الدلتا بطنطا.

ويسعدني أن أورد فيما يلى نص الكلمة التي ألقيتها في الاحتفال.

الوجه الإيجابي للحرب

الحرب صراع بين إرادتين. كل طرف يحشد قدراته وإمكانياته ويطوِّر أدواته وخططه وأنساق تفكيره ليحقق نصرًا ساحقًا على عدوه. والنتيجة في كل الأحوال تدمير وقتل وجرح وتشريد.
وللحرب وجه آخر لا ينتبه إليه الكثيرون، نسميه تجاوزًا "الوجه الإيجابي للحرب". الحروب بدأت بأدوات بدائية حجرية، للسيطرة على مناطق الرعي والزرع ومنابع المياه العذبة. وباكتشاف المعادن حدثت طفرة حضارية واكبها تطور هائل في السلاح وفي شكل الحروب.

التنافس العلمي والتقني بين الدول الصناعية الكبرى جعلها تستفيد من المنجزات الحضارية والاقتصادية والصناعية في النقل والمواصلات والاتصالات، لتدعيم الصناعات العسكرية. فامتلكت هذه الدول القدرة على الحشد، وخوض الحروب المدمرة مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

شهدت الحرب الأولى أول ظهور مكثف للطائرات والغواصات والدبابات والغازات السامة وقاذفات اللهب، وفيما بين الحربين العالميتين تم تصنيع الرادار واختراع التليفزيون. بينما شهدت الحرب الثانية التسابق للوصول إلى القنبلة الذرية والصواريخ الموجهة وأنظمة الرادار المتقدمة. وقرب نهاية الحرب العالمية الثانية، توجت محاولات الإنسان المستمرة لإجراء عمليات حسابية سريعة وآلية، باختراع الكمبيوتر، بسبب إلحاح وزارة الدفاع الأمريكية للوفاء بمتطلبات بطاريات مدفعية الميدان التي تحتاج لإجراء عمليات حسابية معقدة لتنفيذ قصفات مدفعية، تستغرق وقتا يؤدي إلى فشل تنفيذ الضربات المطلوبة.

في مجال الطب تطورت أبحاث التخدير وابتكرت أصناف متعددة من المواد المخدرة لتخفيف آلام الحروق والبتر والجروح القطعية المختلفة. وبدأت عمليات نقل الدم لأول مرة عام 1913، وقرب نهاية الحرب العالمية الأولى تم إنشاء أول بنك للدم عام 1917 على يد الطبيب الأميركي الكابتن أوزوالد روبرتسون.

وبسبب استخدام الغازات في الحروب، تم اكتشاف أن استخدام غاز الخردل يقلل عدد كرات الدم البيضاء التي تتسبب زيادتها في ظهور بثور ونزيف داخلي وأضرار بالجهاز التنفسي والعينين.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كان نصف أطفال برلين يعانون من الكساح، فقام طبيب في برلين بإجراء تجربة فريدة، حيث وضع أربعة أطفال تحت مصابيح الكوارتز الزئبقية التي تنبعث منها الأشعة فوق البنفسجية، فأصبحت عظام الأطفال أقوى ونجح العلاج.

والرادار كان سببا في اختراع فرن الميكروويف (استخدام الموجات المغناطيسية المتناهية في الصغر لخلخلة الجزيئات المكونة للطعام لتسخينها).

فى الحرب العالمية الثانية، كثفت مراكز الأبحاث العلمية في الدول المتحاربة جهودها العلمية للتوصل إلى سلاح نووي يحسم الحرب لصالحها، وسبقت الولايات المتحدة الأمريكية الجميع وأنهت الحرب بإلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان التي أعلنت الاستسلام.
تمكن العلماء من استئناس طاقة الإشعاع النووية المدمرة، واستخدامها لصالح الإنسان، ففي الزراعة يتم استخدامها لتعقيم الزراعات من الحشرات الضارة، كما يتم استخدامها لتخزين الطعام بتعقيمه من البكتيريا الضارة، وفي الطب حدد الخبراء كمية الإشعاع اللازم للقضاء على الأورام في جسم الإنسان، وتعتبر أداة أساسية للتشخيص الطبي بواسطة الأشعة، كما تستخدم أشعة جاما في المستشفيات لتعقيم الأجهزة والأدوات الطبية والجراحية وضمادات الحروق وصمامات القلب، كما يتم استخدامها لتسيير المركبات الفضائية واستكشاف المجموعة الشمسية، كما تستخدم لتحلية ماء البحر، وإنتاج الكهربا.
***
لكي ندرك حجم الانتصار الذي حققناه في أكتوبر 73، يجب أن نقيِّم هزيمة سبعة وستين الكاسحة، التي أدت إلى استشهاد أكثر من عشرة آلاف مقاتل مصري، وخسارة لثمانين في المائة من معدات الجيش المصري ، ومعظم طائراته، بالإضافة لثلاثة آلاف من الأسرى. وفقدنا سيناء وما تمثله من قيمة تاريخية وروحية، وما تحتويه أرضها، التي تبلغ مساحتها حوالي سبعون ألف كيلومتر مربع، من ثروات بترولية ومنجمية وسمكية. وخسرت سوريا هضبة الجولان بالكامل، وخسر الأردن الضفة الغربية لنهر الأردن، كما سقطت القدس الشرقية بالكامل.

هزيمة سبعة وستين كانت مهينة لمصر وللعرب جميعًا. وقد دعيت للحديث في إحدى ندوات ذكرى انتصار أكتوبر، فلما تحدثت عن سبعة وستين، انبرى أحد المتحمسين وقاطعني قائلًا: نحن لم نحارب في سبعة وستين، ولم يكن المجال يسمح أن أقول له: إن الهزيمة كاسحة قبل أن نطلق رصاصة واحدة، والعدو عرف كيف يدير المعركة كما يحب. وتركته يواصل قائلًا: إن طائرة المشير كانت في الجو، وكانت المدفعية المضادة للطائرات مقيدة، وقامت طائرات العدو بمهاجمة مطاراتنا ودمرت طائراتنا على الأرض. ولم أعلق، فقد اعتبرت ما قاله "عذر أقبح من الذنب".
ثبت أن الهزيمة كانت حتمية، فجزء كبير من قواتنا الضاربة كانت تخوض في اليمن حرب عصابات عبثية. والقيادات العسكرية مشغولة بمهام داخلية لا يصح أن تتولاها، وتم حشد قواتنا في سيناء دون وجود خطط للهجوم ولا للدفاع، وتم اتخاذ قرارات سياسية تساوي إعلان الحرب دون أن تكون لدينا نية للحرب، وارتبكت القيادة العسكرية فأصدرت أمر انسحاب شفوي مخالفٍ لكل الأعراف العسكرية، فالانسحاب له خطط وترتيبات معقدة يجب مراعاتها، لكيلا يتحول الانسحاب إلى فوضى كما حدث وقتها.

ويبدو أيضًا أن هزيمة سبعة وستين كانت ضرورية، لنفيق من وهم، أخذنا نغذيه بالأناشيد والأغاني الوطنية الحماسية، أننا نملك أكبر جيش في المنطقة، وأننا خير أجناد الأرض، والحق معنا، ولذا لن يخذلنا الله أبدًا. الإيمان بأن الحق معنا لا يكفي. لن ننتصر في المعارك إلا باتباع القواعد العلمية في التسليح والتدريب، وتوفير كل متطلبات المعركة من مؤن وأغذية وأحذية وذخيرة وعناصر بشرية مدربة ومؤهلة تأهيلًا مناسبًا.


لا أتحدث عن هزيمة سبعة وستين لجلد الذات، وإنما لنتعلم الدرس، وقد تعلمناه بالفعل، والدليل هو التغيير الشامل الذي حدث في القيادات العسكرية المترهلة، وتطوير نظام التجنيد ليستوعب المتعلمين من الشباب أصحاب المؤهلات المتوسطة والعليا، والرجوع إلى العلم في كل جزئية من خطوات الاستعداد للحرب. واستطعنا بعد ست سنوات فقط أن نعيد بناء الجيش المصري والعقيدة القتالية للجندي المصري، وأن نأخذ قرار المبادأة بتحديد موعد الحربِ. واستطعنا في السادس من أكتوبر ثلاثة وسبعين أن نعبر قناة السويس في ست ساعات بقوة خمس فرق مشاة مدعمة بالمدرعات، وأن ندمر نقط العدو الحصينة على الشاطيء الشرقي للقناة، وأن نستولي، خلال يومين فقط، على خمسة عشر كيلومترًا شرق القناة بطول قناة السويس من بورسعيد إلى السويس.
***
في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك تصاعدت نغمة زائفة باسم "الضربة الجوية". قال مروجوها تزلفا للرئيس مبارك، الذي كان قائدًا للقوات الجوية في حرب ثلاثة وسبعين، إن الضربة الجوية التى خطط لها مبارك هي السبب في انتصارنا الكبير. أصحاب هذه المقولة، التي تبدو وجيهة ومعقولة، يتجاهلون أن الانتصار لا يصنعه فرع واحد من أفرع الأسلحة المشتركة، بل يشارك فيه كل الأسلحة وكل الأفراد، الجنود المشاة، وسائقو الدبابات، ورجال مدفعية الميدان، وجنود الإشارة الذين يمدون خطوط الهواتف الأرضية، ومشغلوا أجهزة اللاسلكي والهوائيات، ورجال المهندسين الذين يفتحون الثغرات في حقول الألغام، ورجال الشئون الإدارية الذين يمدون الوحدات المقاتلة بالذخيرة والطعام وخطوط الماء العذب، ورجال فك شفرة الرسائل، ورجال الاستطلاع الذين يقتربون من خطوط العدو لمعرفة حجم الحشود المعادية ونوعيات تسليحها، والأطباء في المستشفيات الميدانية، والمسعفين الذين ينقلون الجرحى، ومدونو سجلات العمليات وأسماء الجرحي والمصابين والشهداء، والطيارين ومهندسو الكشف على الطائرات والتأكد من سلامتها وصيانتها وتموينها، والفنيون الذين يديرون العمل الدقيق في القواعد الجوية، ورجال الوحدات البحرية باختلاف مراكز عملهم، وخبراء التسليح الذين يصلحون الأعطال الطارئة في الأجهزة والأسلحة المستخدمة ليعيدوها للخدمة ثانية، ورجال التأمين والمرور الذين يحددون علامات التقدم ويقيمونها لإرشاد الوحدات إلى الطريق الصحيح نحو الهدف، والمهندسون في ورش الصيانة المتحركة مع القوات لإصلاح المدافع والدبابات المتعطلة والسيطرة على الأعطال الطارئة. هذه هي معركة الأسلحة المشتركة التي لا يمكن تفضيل شخص على آخر أو وحدة على أخري، لأن كل هذه العناصر متضامة وفاعلة وضرورية ومتكاملة. فلو تأخر خبير فك الشفرات في عمله، فقد تخسر الوحدة كلها معركتها. ولو تأخرت السيارات المحملة للتموين بالذخيرة لهلكت الكتيبة التي نفدت ذخيرتها. ولو أبلغ رجل الاستطلاع قيادته بإحداثيات خطأ للقوات المعادية لطاشت ضربات المدفعية والطيران الموجهة نحوها. ولو تسلل بعض الجواسيس ووضعوا علامات المرور في اتجاه معاكس لفقدت الوحدة اتجاهها نحو العدو وضاعت في الطريق. وهكذا.
الانتصار يغري بالحديث عن البطولة. البطولة الحقة هي أن يؤدي كل فرد واجبه المحدد بدقة وتفانٍ وإخلاص. والبطولات التي تشيع في أخبار الحروب تحدث دون تعمد من رجال شجعان، تفيض طاقاتهم على من حولهم بتقديم العون التلقائي دون تفكير.
ليس لأي عامل، من العوامل التالية، أن يكون وحده سببًا للانتصار. لا الضربة الجوية ولا التمهيد النيراني لآلاف المدافع، ولا الدقة في اختيار الموعد، ولا مئات المناورات التكتيكية والتعبوية، ولا خطط التموية الاستراتيجي والإعلامي والنفسي، ولا السرية المطلقة، ولا الدبابات، ولا رجال المشاة أو الصاعقة، ولا حائط الصواريخ. سبب النصر الحقيقي هو تفاعل كل هذه العوامل وتزامنها وتراتبها في خطة دقيقة لا تغفل أية تفصيلة في أي مجال. يضاف إلى ذلك أهم عنصر، وهو الجندي المصري الذي أمن بعقيدته القتالية: النصر أو الشهادة، واقتنع بأن الثأر هو واجبُه المقدس، ولا تفريط فيه.
لديّ دليل على أن خطط العبور كانت دقيقة وناجحة، لكني لا أستطيع أن أقدم هذا الدليل إلا بعد مرور خمسين عاما على انتهاء الحرب. لو عشت للعام القادم ربما أتمكن من عرضه عليكم.

هناك تعليقان (2):

  1. لا غرو ولا ضير ولا عجب..إن ُقلت ُ أنا.. أن الأستاذ الفاضل الكريم/محمود عرفات يكاد يقترب بشده أن ينبئ عن نفسه بأن يكون ( محللا إستراتيجيا.. عسكريا وسياسيا فى آن )
    وذلك لأسبابلعناصر توفرت لديه دون غيره



    وذلك

    ردحذف
    الردود
    1. وذلك لأسباب وعناصر توفرت لديه دون غيره... أهمها التجرد من الهوى والغرض أو الميل النفس أو العاطفه عند التعاطى للموضوع المراد والمقصود تناوله بالتحليل ثانيها : إقترابه الشديد واللصيق بالموضوع
      وبالأحداث محل التحليل..بإعتباره جزءمنها
      ثالثها:الإهتم امالشديدوالقلقالدائمالدائمالدئوبلقضاياأمتهالمصيريه

      بإعتباره
      جزءََ




      محل
      محل
      التحليل
      وبإعتباره
      جزءََ
      منها

      بالأحداث
      والمواقف محل التحليل بإعتباره جزءََ
      منها

      ا:



      منها

      منها.. ثالثها : درجة الإهتمام العاليه
      لديه والقلق الدائم لهموم


      لهموم

      أمتهوالإخلاصالدئوبلقضاياالوطن





      بإعتباره

      والموقف والمواقف

      حذف