الخميس، يوليو 14، 2022

أئمه التنوير .. العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الأمراء .. بقلم الأستاذ مبارك احمد النمر


الأستاذ/ مبارك احمد النمر
بكالوريوس اعلام قسم صحافة ونشر كلية الاعلام جامعة القاهرة 1976 آخر وظيفة مديرعام ثقافة الغربية وكان مديرا لقصر ثقافة كفر الزيات حتى عام 1986ومديرا لقصر ثقافة طنطا حتى عام 1999 

عالم وقاض برع فى الفقه والأصول والتفسير واللغة
جدد الله به شباب الإسلام ، الشريعة كلها كما يقول إما درأ مفاسد أو جلب مصالح تلك هى القاعدة التى وصل إليها . .صلبا فى الدين رحيما بالفقراء قويا على العظماء. . متشددا على الملوك الجبابرة والعلماء المنافقين ، يرفض هدايا الحكام ولايقبل عليهم ، يفضل أن يعيش فقيرا على أن يرى فقيرا يقرصه الجوع وينهش فى جسده البرد ، أفتى بعدم صحة أمراء المماليك فباعهم فى السوق وأخذ أموال بيعهم وصرفها على الفقراء ، وصفه ابن دقيق العبد بأنه (سلطان العلماء) ، وقال عنه ابن الحاجب بن عبد السلام (أفقه من الغزالى)

قال له تلميذه : ألم تتهيب من الملك ياشيخنا ؟
فرد عليه : والله يابنى لقد استحضرت فى نفسى هيبة الله فكان السلطان أمامى كالقطة .

إنه العز بن عبد السلام (1181 - 1262) ولد بدمشق ومات بالقاهرة .
سلطان العلماء ومؤدب الملوك ، الذى استقبله المصريون بعد نفيه من الشام بملابس العيد وعلى رأسهم الملك الصالح نجم الدين أيوب . .

1 - أيام العز فى دمشق

كان المسلمون بمصر والشام تحت راية واحدة قبل موت صلاح الدين وبموته تنازع إخوته وأبناؤه على الحكم فصارت الأمصار الإسلامية إلى تشتت بعد الوحدة ، وكل أمير على إمارته يستميل العلماء والفقهاء ، أما العز فلم يكن من هذا الصنف من البشر ولم يكتف بدور الساكت عن الحق فما كان يقنع أن يكون شيطانا أخرس ، ويقول الباحث وائل السمرى : كان دائم اللوم على علماء السلطان مجاراتهم للسلطان

فأفتى الشيخ بأن السكوت على المنكر منكر ، وأن علماء المسلمين أولى أن ينهوا الخلفاء والحكام عن المنكر وأن تخليهم عن نصح الحاكم ورده عن الظلم مخالفة لله .

وحينما استفتاه أحد الطلاب هل لهؤلاء العلماء طاعة علينا ؟ قال العز : (لاطاعة لهم عليكم طالما لايطيعون الله ورسوله) وهو بذلك يجرد العلماء الذين يداهنون السلطان ويعينوه على الفقراء من سطوتهم وهو ما أثار استياء الفقهاء منه .

زاد حمق فقهاء الحنابلة عليه بعد أن اتهمهم بالحمق والجمود وكان السلطان الأشرف الأيوبى حنبليا مثلهم فثار الملك وأقسم لينزلن به عقابا .

وانضم المالكية من الفقهاء والشافعية لرأى المعز فى الفتوى التى أغضبت الملك فخفف من عقوبة الشيخ واكتفى بعزله عن الإفتاء والدرس فمكث فى بيته .

بعد أن وصل الملك الكامل أخو الملك الأشرف إلى الشام نهر أخاه على موقفه من الإمام وقد كان يعرف قدره ويبجله وعينه فى منصب الإمام الأكبر للجامع الأموى ... فسار يحكم بين الناس بالعدل وأمر السلطان أن يرفع الضرائب عن الصناع والتجار والفقراء وأن يجعلها على الأغنياء فقط .

فاستجاب له السلطان ، وما إن مات الملك الأشرف وتولى مكانه الصالح اسماعيل حليف الصليبيين حتى اضطهد الإمام العز بكل قوة وبطش ، وفرض الضرائب على الفقراء ، وتحالف مع الصليبيين ضد إخوانه من أبناء الدولة الأيوبية وسمح للصليبيين أن يشتروا السيوف من الشام التى يحاربون بها المسلمين ، وكانت أفضل أنواع السيوف .
وتصدى الإمام لكل هذه الإنحرافات ، بل خطب فى الناس مطالبا بخلع الملك ، وامتنع الأئمة من الدعاء للملك ، فما كان من الملك إلا أن أمر بسجنه واستعان عليه بفتوى من فقهاء الحنابلة بأن (الخروج على الحاكم حرام) .
بعد فترة أمر الملك بالإفراج عن الشيخ على أن يلزم بيته ولا يخرج منه ، فما كان منه إلا أن يطلب الإذن بالخروج من دمشق والسفر إلى القاهرة .

2 - أيام العز فى القاهرة

وصل الإمام إلى القاهرة واستقبله الملك الصالح نجم الدين أيوب على باب القاهرة وأدخله بيته الجديد على النيل وأبلغه أن هذا البيت ليس من ماله ولا من بيت المال بل من أهالى القاهرة الذين فرحوا به فرحا شديدا ، وعينه الملك خطيبا لجامع عمرو بن العاص فكان خطيبا جريئا شرع فى إبطال البدع وإزالة ما لحق بالدين .
وكلفه أيضا بالتدريس ، ثم عزله .

كما عينه الملك نجم الدين قاضيا للقضاة على مساحة واسعة من أرض مصر .
رأى الإمام أمراء المماليك يبيعون ويشترون ويتزوجون من الحرائر وهم مازالوا عبيدا ، فمنعهم من إبرام العقود ، وأفتى بعدم صحة زواجهم ، وهو ما أثار إستياء الأمراء والملك على حد سواء ، لكن الإمام لايخشى فى الحق لومة لائم ولم يرجع عن فتواه حتى باع الأمراء فى السوق واشتراهم الملك ثم أعتقهم .

أخذ العز أموال بيعهم وصرفها على الفقراء والضعفاء والمساكين والطلاب ، واستمر فى فتاواه التى لاتهاب ولاتخشى .
وحينما حكم على أمير مملوكى ولم تنفذ الشرطة حكمه تقدم بنفسه ونفذ الحكم ، ثم استقال من القضاء لاعتراضه على عدم تنفيذ حكمه .
ارتاح الملك من فتاواه التى كدرت عليه حياته وقلبت عليه أمراءه واستغل الإمام هذه الفترة فى وضع الكتب التى كان يحلم بكتابتها مجددا شباب الفقه الإسلامى .

3 - لمحات مضيئة للإمام

خرج الشيخ إلى دمياط حين هاجمها الصليبيون وحث الناس على الجهاد فى سبيل الله فانتصر المصريون على الصليبيين ، وحينما حاول التتار أن يغزوا مصر انتفض الشيخ مرة أخرى وحث الناس على الجهاد .

وحينما أراد الأمير قطز أن يفرض ضرائب جديدة على الناس منعه من ذلك وقال له : (خذ الأموال التى تريدها من أمرائك وأغنياء البلاد ، واترك الفقراء لفقرهم) فاستجاب الملك وأخذ الإمام يحفز الناس على الجهاد حتى انتصر المصريون على التتار .
ومات الإمام وهو فى سبيله لإلقاء دروسه .
وصار العز بن عبد السلام رمزا للإمام القوى المستنير الذى كان يبتعد عن التقليد وينهر الذين يطالبونه الإلتزام بمذهب واحد قائلا :
إن الله لم يأمرنا أن نقلد الصحابة فكيف نقلد الأئمة ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق