الجمعة، يونيو 10، 2022

تحذير الداعية من القصص الواهية. تحقيق قصة شرب أم أيمن بول النبي - ﷺ- مقال بِقَلَمِ الأستاذ/ حُسَامُ أَبُو صَالِحَةٍ ابن شبشير الحصة. طنطا

 

الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا

هذه القصة المفتراة على الصحابية أم أيمن مولاة رسول الله - ﷺ-بأنها شربت بول النبي - ﷺ-، ولقد اشتهرت وانتشرت هذه القصة، وقد قال بها الكثير من أدعياء العلم، وقد أسندوا تلك المقولة التي لم تصح عن النبي " هذه بطن لا تجرجر في النار" لأن فيها جزءًا من سيدنا رسول الله - ﷺ- ومن أحب عرف، ومن عرف اغترف، فيكون التبرك ببوله الشريف، فكل من عرف حبّ رسول الله - ﷺ- لا يأنف، كما لا تأنف الأم من غائط ابنها، فما بالك بسيدنا رسول الله - ﷺ- ، ونحن نحبه أكثر من حبنا لآبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فمن أنف أو تأنف من رسول الله- ﷺ-فليراجع إيمانه».

-علما بأن دار الإفتاء المصرية في سياق ردها أصدرت بيانًا أكدت فيه على أن طهارة رسول الله - ﷺ-في الظاهر والباطن محل إجماع بين الأمة، مشيرة إلى أن البعض يرى أن هذه الطهارة لجميع الأنبياء»
تحقيق المسألة علميا بعيدًا عن التعصب، والمغالاة، والمبالغة:

وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق لهذه القصة: «قصة شرب أم أيمن بول النبي - ﷺ-

أولاً: المتن:

( المقصود به النص الوارد بالحديث لهذه القصة )
رُوي عن أم أيمن أنها قالت: قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة من جانب البيت فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي ما فيها».
قلت: قد والله شربت ما فيها، قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «أما أنك لا يفجع بطنك بعده أبدًا».

ثانيًا: التخريج:

( أي بيان من ذكر هذا الحديث في كتابه)
هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 63) كتاب: «معرفة الصحابة» - باب: «ذكر أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته». قال: أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدثنا عبد الله بن روح المدايني، حدثنا شبابة، حدثنا أبو
مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن أم أيمن رضي الله عنها قالت: قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة .... الحديث.
وأخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» (2/ 158) قال: حدثنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة بن سوّار، حدثنا أبو مالك النخعي به.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/ 85) في سند أم أيمن أم أسامة بن زيد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح (230) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شبابة بن سوار، حدثني أبو مالك النخعي به.
ثالثًا: التحقيق :

(أي التحقيق من صحة الحديث من حيث اتصال السند بمعنى أن يكون كل راو سمع ممن فوقه من الرواة مباشرة بدون واسطة، وعدالة الرواة وهو أن يكون الراوي ممن يعرف بالدين والتقى والصلاح والصدق، وحفظ الرواة وهو أن يكون الراوي حافظًا لحديثه جيداً، وخلو الحديث من الشذوذ وهو مخالفة الراوي لمن هو أحفظ منه أو أكثر منه عدداً، وخلو الحديث من العلة القادحة وهي سبب خفي في الحديث لا يعرفه إلا الحفاظ من الرواة)
- هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة الواهية «لا يصح»، وعلته أبو مالك النخعي واسمه: عبد الملك بن الحسين.
١ - قال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (383): «عبد الملك بن الحسين أبو مالك النخعي: متروك». اهـ.
-وهذا المصطلح عند الإمام النسائي له معناه، ولقد بينه الإمام الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (ص 191) حيث قال: «ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه».
٢-وأورده الإمام الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (363) وقال: «عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي، عن البصريين والكوفيين».
٣-أورده الإمام ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 2/347، 5/ 347/1641) قال: «عبد الملك بن الحسين أبو مالك النخعي سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث».
٤-وأورده الإمام ابن عدي في «الكامل» (5/ 303، 479/ 1447) وقال: حدثنا علان، حدثنا ابن أبي مريم، سألت يحيى بن معين عن أبي مالك فقال: «ليس بشيء».
٥-وقال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (2/ 134): عبد الملك بن الحسين بن أبي الحسين النخعي أبو مالك: من أهل واسط، كان ممن يروي المقلوبات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، ولا الاعتبار فيما لم يخالف الأثبات.
٦-وأورده الإمام البخاري في كتابه «الضعفاء الصغير» ترجمة (219) وقال: «ليس بالقوي عندهم».
٧-وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» (2/ 653/5198) ونقل أقوال أئمة الجرح والتعديل في عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي وأقرها.
٨-وأورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (12/ 240/1006) وقال: أبو مالك النخعي الواسطي اسمه عبد الملك بن الحسين، ثم نقل أقوال الأئمة قائلاً: قال عمرو بن علي: ضعيف منكر الحديث، وقال الأزدي والنسائي: متروك الحديث.
-------------------------------------------------
-فلم يثبت عن أم أيمن رضي الله عنها أنها شربت بول النبي - ﷺ- ، ولم يثبت عن النبي - ﷺ- أنه قال لها: «هذه بطن لا تجرجر في النار»، ولا يصح التأويل لأن التأويل فرع التصحيح كما قال علماء الحديث، ولم يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بينا آنفًا.
فلا يؤول بأن البطن لا تجرجر في النار، أو لا تفجع لأن فيها جزءًا من رسول الله - ﷺ- ، وهو البول، بل أدى الغلو الناتج عن اعتقاد صحة هذه القصة المنكرة إلى إصدار إفتاء بطهارة بول النبي - ﷺ- كما جاء في سياق الرد على «فتوى شرب البول» بإصدار بيان يؤكد على أن طهارة رسول الله - ﷺ- في الظاهر والباطن محل إجماع بين الأئمة،
وهذه الفتوى التي تدافع عن هذه القصة الواهية «قصة شرب بول النبي - ﷺ- » فتوى مردودة بما ثبت في السنة الصحيحة المطهرة.
١ - فقد بوَّب الإمام البخاري في «صحيحه» في كتاب الوضوء بابًا بعنوان: «وضع الماء عند الخلاء» (ح 143) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - ﷺ- دخل الخلاء فوضعت له وَضوءًا قال: «من وضع هذا؟» فأخبر فقال: «اللهم فقه في الدين».
وأخرجه كذلك الإمام مسلم (ح 2477) فالحديث متفق عليه.
٢ - وبوَّب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء بابًا بعنوان: «الاستنجاء بالماء» (ح 150) قال: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال: حدثنا شعبة عن أبي معاذ واسمه عطاء بن أبي ميمونة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «كان النبي - ﷺ- إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به».
-هذا ما استبان لنا من سنة نبينا - ﷺ- ، فلا ندعها لقول أحد من الناس.

الخلاصة:
يتبين من هذا التحليل أن أبا مالك النخعي واسمه عبد الملك بن الحسين أجمع الأئمة على تركه كما هو مذهب النسائي، وتبين أنه متروك منكر الحديث ليس بشيء، وعلى ذلك فالقصة: «قصة شرب أم أيمن لبول النبي صلى الله عليه وسلم» قصة واهية، والسند الذي جاء به حديث القصة تالف، وأن القصة مفتراة على أم أيمن.


هناك تعليق واحد:

  1. مصطفى دراز دراز/جزاك الله خيرا علي التوضيح والابانة ولجهد المبذول لازالة العمي عن اعين الجاهلين

    ردحذف