السبت، فبراير 19، 2022

النَّفْسُ النَّقِيَّةُ المُسَالِمَةُ . . بِقَلَمِ الأستاذ /حُسَامُ أَبُو صَالِحَةٍ. ابن شبشير الحصة. طنطا

الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا

هِيَ نَفْسٌ راضِيَةٌ تَمامَ الرِّضَيٰ، قَنُوعَةٌ بمَا أُوتِيَتْ من منَِحٍ ، شاكرَةٌ لما حَبَاها اللهُ تعالىٰ مِنْ عطاءاتٍ ، صابرةٌ مُحتسبةٌ لِمَا نَزَلَ بها مِنْ نوازِلٍ ، تَنْعَمُ بِسِلْمٍ لا مُتَنَاهٍ ، سِلْمٌ داخليٌّ يَفوقُ رَحابَة الكونِ واتِّساعِهِ ، وسِلْمٌ خارجيٌّ مِنها للآخرينَ يفوقُ كُلُّ الإيفاءِ بالمعاهداتِ والمواثيقِ، وإنْ أخَلَّ جَميعُ البَشَرِ بعُودِهِم، وَلَم يُوفُوا بِكلَامِهِمْ .

-نفسٌ إِنْ أُعْطِيَتْ شَكَرَتْ، وإِنْ مُنِعَتْ حَمِدَتْ؛ لأنَّها توقِنُ أنَّ المَنْحَ، والسَّلْبَ كليهما فَضْلٌ مِنْ اللهِ تعالىٰ ونعمةٍ ، وأنَّ قدرَ اللهِ تعالىٰ دائمًا لا يأتي إلا بخيرٍ . -نفسٌ تعيشُ حِينًا عَليٰ قدرِ الكفافِ، وتسْتَغْني بهِ عَنْ سؤالِ اللِّئامِ ، تَشْبعُ مرةً ، وتَجوعُ مَرَّاتٍ لكنْ لا تَمُدُّ يَدَها مَهْمَا بَلَغتْ فَاقَتُهَا، واشتدَّتْ حَاجَتُهَا. -نفسٌ شَريفَةٌ ، وأسمىٰ شرفِها عِفَّتِها، ونزاهتِها، وبُعدِها عَنْ السوءِ قولًا كانَ أمْ فعلًا ، فلا تقربُ الفاحشةَ، ولا تسلُكُ مسالِكَ العصاةِ ، وَتَنْأىٰ بِنَفسِها مَهاوِىَ الوُشَاةِ، وَمَسَاقِطَ النَمَّامِينَ، فَلا تَألَفُ غَيْبَةً، وَلا نَمِيمَةً حيثُ تَبْعُدُ عنْ الدَّرَكَاتِ إلىٰ أَسمَىٰ وَأَعلَىٰ الغَايَات، ففي داخلِها صفاءٌ لا يعرفُهُ إلا ذوي الضمائِرِ الحيَّةِ ، ولَا يَألفُه إلَّا أصحابُ القلوبِ النَّقيَّةِ، وَلَا يَعهدُهُ إلَّا أربابُ النفوسِ الطاهرةِ النَّديَّةِ . -نفسٌ عَينُها مليئةً بالرضا، وإِنْ جاعَتْ بَطنُها، فلا سبيلَ للإِنكِسَارِ لديها؛ لِأَنَّ كرامَتَها أثمنُ ما تعيشُ عليهِ ولهُ ، -تلكَ النَّفسُ السويَّةُ مُحِبَّةٌ لجميعِ الأنفُسِ، ولو كانتْ تلكَ الأنفسِ دونيةً، فمحبَّتِها عَينُ نفسِها، نَبعُ مَكنُونِها ، فبالمحبَّةِ تحيا، وَبالمحبَّةِ تَقوىٰ، وتَسعدُ، وهذهِ المَحبَّةُ مُتدفقةً كالنهرِ الهادِرِ، والمطرِ الكاثِرِ ، كُلَّما سالتْ فاضَتْ، وَكُلَّما نَزَلَتْ بساحةٍ غَمرتها، وإذا هَطَلَتْ بأرضٍ أحيتهَا، فهيَ متجددةٌ بتجَدُّدِ العَطاءِ ، -نفسٌ اعتادتْ عَلىٰ البذلِ والعطاءِ دونَ النَّظرِ لِمَا يقدِّمُهُ لها الآخرونَ ، -نَفْسٌ يَدُهَا مَمدودَةٌ دائمًا بالخيرِ لكلِّ البشرِ ، ولا ترضىٰ بأخذِ مقابلٍ عَلىٰ عطائِها لأَنَّ ذَٰلك بالنسبةِ لها نَقِيصَةٌ تَنْتَقِصُ مِنْ خيريَّتِها الفائقَةِ. -نفسٌ لا تحبُّ إيذاءَ النّاسِ، وَلَوْ بكلمةٍ جَارِحَةٍ، ولا حتىٰ الشوكةََ تصيبُهُم ، أو نظرةً تنتقِصُ مِنْ قدرهِم، وتَحُطُّ مِنْ مقدارِهِم . -نفسٌ تريدُ العيشَ في سِلْمٍ ، وسلامٍ، وأمنٍ ، واطمئنانٍ ، وسكينةٍ ، ووئامٍ ، حتىٰ ولو عاشتْ بفلاةٍ (صحراء) بعيدةً عَنْ الأنفاسِ ، حيثُ لا أصواتَ صاخبةٍ، ولا ضوضاءَ مُزعجةٍ، ولا أناسيَّ مُقلقةٍ . -تُحِبُّ سكونَ الصحراءِ ، ورحابتِهَا، واتَّساعِها، واحتوائِها، -وتُحبُّ جَمالَ القمرِ ليلةَ اكتمالِهِ ، ونورِهِ ، وبهائِهِ ، وعُلوِّهِ عَنْ الدَّنايا وترفُّعِهِ عاليًا بالآفَاقِ، ينيرُ ظلمةَ السائرينَ، ويهدي حيرةَ السالكينَ ، -تُحبُّ الشمسَ بسطوعِهَا مضيئةً مشرقةَ، واضحةً جليةً دونَ التفافٍ ، أو اختفاءٍ ، فمنها الدفىءُ والوضوحُ، وعَلىٰ مِثْلِهَا يكونُ الكَلِمُ؛ حيثُ ينعدمُ الزَّلَلُ، ويتَّضِحُ بِهِ المقالُ كوضوحِهَا، ويَرتفِعُ الأسلوبُ كارتفاعِهَا، وعُلوِّهَا، -تُحبُّ البِحَارَ لعُمْقِهَا، واحتوائِها بكلِّ زخائِرِها، ونفائِسِها، وطُعمِها ومِلحِهَا، وفلكِهَا، وسائرِ نِعَمِها. -تُحبُّ الأنهارَ لعذبِهَا، ونقائِهَا، وَرِيِّها، -تُحبُّ الجبالَ شاهقةً شامخةً ، شموخَ الزمنِ، راسيةً رُسُوُّ اليقينِ بكلِّ حقيقةٍ لا شكَّ فيها. -تُحبُّ الأنجُمَ ساطعةً زاهيةً مشرقةً بَرَّاقَاتٍ، وبالأُفُقِ علاماتٍ . -لا تُحبُّ السِّجالَ، ولا الجِدَالَ، ولا النزاعَ، فهىَ نفسٌ هادئةٌ بسيطةٌ غيرَ معقَّدةٍ بتراكيبِ البشرِ غيرِ الأَسوِيَاءِ ، -فياليتَ الأنفسَ القاسيةَ، والقلوبَ المتحجرةَ التي لا تلينُ أبدًا؛ تلكَ القلوبُ التي لا أملَ في لينِها ورحمتِها كالحجارةِ بَلْ القلوبُ أقسىٰ غلظهً، وأسوَدَ ظلمةً، فالحجارةُ قد تَتَفَجَّرُ منها العيونُ الجاريةَ بالأنهارِ ، ومنها ما يَشَّقَّقُ فيخرجُ منه الماءُ ، وإن لم يكنُ جاريًا ، ومنها ما يهبطُ مِنْ رأسِ الجبلِ مِنْ خشيةِ اللهِ ، ولَٰكنْ هذهِ القلوبُ ختمَ اللهُ تعالىَٰ بقساوَتِها فلا تلينُ أبدًا قال تعالىٰ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة ٧٤. -أيُّها القلبُ القاسيَ أذكِّركَ بقولهِ تعالىٰ ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ )الحديد ١٦. -تَعَلَّمْ يَا مَنْ قسىْ قلبُهُ ، وتحجَّرتْ نفسُهُ ولو صفةً واحدةً مِنْ سماتِ النَّفْسِ النَّقِيَّةِ المُسَالِمَةِ حتىٰ يَرِقَّ قلبُكَ ويَنْصَلِحُ حَالُكَ؛ فَتَسْعدَ، وَيَسْعَدُ لَكَ، وَبِكَ الآخَرينَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق