الأحد، فبراير 13، 2022

سلاطين الأرض المقدسين ... الزهد والمَلَكية السياسية عند المتصوفة .. مقال للكاتب الصحفى الأستاذ/ محمد حسين الشيخ ابن قليب ابيار بكفرالزيات

الأستاذ/ محمد حسين الشيخ 
كاتب مصري، عمل كصحافي تحقيقات، وكاتب مقالات لعدد من الصحف والمواقع المصرية والعربية منذ عام 2004، وكان مساعدا لرئيس تحرير موقع دوت مصر، ومهتم بالتاريخ والفن. وابن قليب ابيار بكفرالزيات


"الوَلِي" و"الوالي"، لقبان أولهما ديني صوفي، والثاني سياسي ملكي، ويشتركان في نفس الجذر اللغوي، وكلاهما له "ولاية" أو "سيادة" على الناس؛ فالأول له ولاية روحية، والثاني له ولاية سياسية دنيوية. وشاع في الأدبيات الصوفية مناداة مشايخ الصوفية بلقب "سيدي"، تماماً كما يُنادى على الملوك والسلاطين.

كذلك نلحظ أن الكثير من كبار ومشاهير الصوفية يلقبون بلقب "السلطان"، هذا اللقب الملكي المعروف، فنجد ابن عربي يلقب بـ"سلطان العارفين"، ونفس اللقب أخذه جلال الدين الرومي، ومن قبلهما إبراهيم بن أدهم وأبي يزيد البسطامي، وكان العزّ بن عبد السلام يلقب بـ"سلطان العلماء"، وكذلك لُقّب بهاء الدين ابن جلال الدين الرومي بـ"سلطان ولد"، كما لُقّب ابن الفارض بـ"سلطان العاشقين"، وعرف شمس الدين محمد الحنفي بـ"السلطان الحنفي".

قد يعتبر البعض أن المسألة مجرد بلاغة لغوية؛ ومن المعروف أن الصوفية من خلال كتاباتهم، وخاصة الشعر، أعادوا استخدام كلمات وموضوعات وأفكار اجتماعية وعاطفية سابقة عليهم، ووظّفوها كرموز واستعارات لغوية بلاغية لخدمة أغراضهم الروحية الدينية، حسبما يوضح الباحث في الدراسات العربية، بلال الأرفه لي، في دراسته Walking in the Steps of Poets: Courtly Themes in Early Sufism.

ولكن تبين أن الفكرة السلطوية عندهم تتجاوز اللغة، حيث نلاحظ أن الحياة الصوفية نفسها تكيفت مع الحياة السياسية الملكية في القرون الوسطى، وأصبحت موازية لها، متماهية معها في سلطويتها، وأصبح مشايخ الصوفية سلاطين وملوك وأمراء، خاصة بعد أن تطور التصوف من الفردية إلى المؤسسية، بعد أن انتظم المتصوفة في "الطرق" و"الخانقوات".

متى بدأ ذلك داخل التصوف الإسلامي؟ وما مظاهره وتجلياته في الواقع الصوفي؟ وما جذوره داخل الثقافة الإسلامية وداخل ديانات أخرى؟ هذا ما نجيب عنه في هذا المقال.

في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، أصبح للصوفية مكانة سياسية كبيرة، وبدا تأثرهم بالحياة السياسية في أدبياتهم وسلوكياتهم، ونما الأمر بقوة خلال الدول التي تلت السلاجقة في المنطقة

من الزهد إلى السلطنة

الفكرة العامة للصوفية هي الزهد، ورفض المتصوفة الأوائل في القرن الثاني الهجري، السعي وراء السلطة، بل مالوا إلى التواضع والفردانية والعزلة، وهناك نماذج كثيرة لهذا السلوك، وأهمهم إبراهيم بن أدهم، وكان من أبناء ملوك مدينة بلخ الإيرانية، يعيش مترفاً وتنازل عن كل ذلك وهاجر إلى الشام، وعاش زاهداً متصوفاً في البادية والحقول، حسبما نفهم من "الرسالة القشيرية" للقشيري.

وفي العصر السلجوقي، ولاسيما منذ عهد الوزير نظام الملك في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، أصبح للصوفية مكانة سياسية كبيرة وبدا تأثرهم بالحياة السياسية في أدبياتهم وسلوكياتهم، ونما الأمر بقوة خلال الدول التي تلت السلاجقة في المنطقة (الأيوبيين ثم المماليك في مصر والشام، العثمانيين في الأناضول، الصفويين في إيران الحالية)، حسبما رصد الباحث في العلوم الإسلامية Luca Patriz خلال دراستهSufi Terminology of Power.

ممارسات سلطوية ملكية داخل العالم الصوفي

هناك أكثر من نظام سلطوي تكون داخل الحياة الصوفية، سواء الروحية أو المادية؛ ففي العالم الروحي نظم الصوفية لأنفسهم مراتب ودرجات وصولاً إلى قمة الهرم السلطوي الروحي الصوفي حيث يقع "القطب"، وسلطاته الروحية تفوق أي سلطة دنيوية، فهو موضع نظر الله من العالم، هو صاحب الزمان وصاحب الوقت والحال، هو المتحقق بجمعية البرزخية الأولى، المطلع على حقائق الأشياء، الخارج عن حكم الزمان وتصرفات ماضيه ومستقبله إلى الآن.

ويلي القطب في الترتيب "الأوتاد": وهم رجال أربعة على منازل الجهات الأربع من العالم، أي الشرق والغرب والشمال والجنوب، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محل نظره. وكأن القطب هو حاكم الأرض كليةً نيابة عن الله، وينوب عنه هؤلاء الرجال الأربعة في الحكم، كل في مكانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق