الأديب/ أحمد البحيرى ابن كفور بلشاى بكفرالزيات
لو جمعنا كل ما قاله الفلاسفة عن الوعي ما وصلنا لتعريف ناجع . فرحلتهم مع الوعي لازالت لليوم مستمرة.
وبعدما ربطوه بالعصبونات الكهربائية بالمخ، عادوا وأثبتوا أن لا علاقة له بالمخ، وإنما هو نشاط يتم في الروح و يؤثر في المخ.
فما هو الوعي علي وجه الدقة؟.
لكي نجيب عن هذا السؤال علينا التوفيق بين الفلسفة والدين.
ولدينا مثالين في الفلسفة الإسلامية أمضوا عمرهما في هذا التوفيق هما الكندي العربي المشرقي، وابن رشد العربي المغربي، وإن كان بينهما ثلاثة قرون.
فالفلسفة هي البحث النظري الخالص الذي يستهدف الحقائق ويكتشفها. ولو دققنا النظر لوجدنا أن هذا هو هدف الدين. وإذا كان الوحي أصل الدين،والعقل أصل الفلسفة، فإنا نعظم من قيمة العقل لأننا استطعنا به فهم الوحي. نعزز من قيمته ولا نساويه بالوحي، لأن طور الوحي أكبر من طور العقل.
وإذا كان وجود الشيء مرهون بالتصورات العقلية عنه، فلا وجود لشيء لا يمكن تصوره. لذلك كان التفكير مطلب ديني اسلامي. أن تتفكر في صفات الله وأفعاله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. أن تتفكر في السموات والأرض والجبال والأنهار والأشجار والأمطار وكل ما يخطر بصفحة بالك.
لذلك نري المتصوفة يرون ما لا يري غيرهم، ويتهمون في كل زمن بالشطح والمروق. وانظر للسهراوردي صاحب عوارف المعارف. لقد سطر كتابه هذا كله من خلال قوله تعالي ( ويدخلهم الجنة عرفها لهم). حتي أن أهل الجنة حين يسمح لهم ربهم بدخولها، يدخلوها كأنهم كانوا فيها بالأمس. فمن أين أتت تلك المعرفة؟. لقد أتت من الوعي الموجود في الروح. وهل الوعي موجود بكل الروح؟
إن الحق جل وعلا يربط التفكير بالروح في الذكر الحكيم وليس بالعقل. فقوله ( إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب)، معناها لأصحاب القلوب لا أصحاب العقول. والروح في الإنسان روحان، قلبي وعقلي. القلبي منها يحكم العقلي.
المعرفة إذن تأتي من الروح القلبي أو ما يطلق عليه المتصوفة السر. والسر كما يقول الغزالي: هو موضع في الروح لا اطلاع عليه للعبد. أي لا يشرف عليه إلا الله.
هذا هو الوعي الذي احتار في فهمه الفلاسفة. وحتي يزداد الأمر جلاء نذكر مثالين. حين تقرأ مقالة فلسفية أو لاهوتية صعبة وتفهم منها أشياء قليلة. هل فكرت لماذا فهمت ذلك دون غيره؟
والجواب إن تصوراته العقلية حاضره دون غيره في دماغك. ومن أين وكيف وصلت هذه التصورات دون غيرها؟.وصلت إليك من الله مباشرة عبر السر.
ومثال آخر في العلاقات الإجتماعية. لو فرضنا أنك تعرفت علي شخصين لأول مرة في وقت واحد وأحببت أحدهما ولم تحب الآخر، فما الذي دفعك لهذا الصنيع؟ إنه الوعي الذي كرس لك تصورات الشخصين في دماغك. ربما تطلق عليه الإحساس وتقول بأن إحساسك لا يكذب. غير أن كلامك هنا غير دقيق. ولو انتظرت أياما ومواقفا من الشخصين ذاتهما، لأدركت لم أحببت من أحببت، ولم أبغضت من أبغضت.
هل رأيتم أي متعة عقلية يستمتع بها المتفكرون؟. إنهم يصلون لمعرفة في ملك الله وملكوته غير معروفة. ويسبقون العلم والفكر في اكتشاف الحقائق المبطونة بهذا الكون. ولو قرأت الفتوحات المكية لإبن عربي بتحقيق عثمان يحي، لوقفت علي بعض الإكتشافات العلمية التي وصل إليها الشيخ في زمنه، ولازالت غائبة
عن العلماء. أحسب أن في ذلك الكفاية.
دمتم في حفظ الله ورعايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق