الخميس، يوليو 15، 2021

(نَقْدٌ لَا نَقْضٌ) بِقَلَمِ الشاعر/ حُسَامُ أَبُو صَالِحَةٍ ابن شبشير الحصة. طنطا

 

الشاعر الأديب / حسام أبو صالحة
ليسانس آداب وتربية - كلية التربية - قسم دراسات إسلامية- جامعة الأزهر رئيس قسم الدراسات العليا والعلاقات الثقافية بكلية الهندسة جامعة طنطا. ابن شبشير الحصة. طنطا


فرقٌ شاسعٌ، وَبَيْنٌ واسعٌ بَينَ حرفىِّ الدَّال، والضَّادِ الملتصقان بنفس ذات الحرفين السابقين (ن، ق) فيصير هذان الحرفان مختلفين تمام الاختلاف بانضمام الدال أو الضاد لآخرهما

إذ يكون المعني للكلمة الأولىَٰ (نَقْدٌ) بالدَّال، وفيه من البناء ما يعلو بصاحبه عنان السماء، لا سيما إذا كان نقدًا هادفًا، وبنَّاءً، وموضوعيًّا، فتُفرِحُه، وتُسعِدُه، وتَشُدُّ من أزره، وتُسنِدُه
ويكون المعنى للكلمة الثانية (نَقْضٌ) بالضَّاد أي هدم، وفيه من الشقاء ما يهوي بصاحبه إلي دركات سحيقة، ونوازل عميقة فتحزنه لا تفرحه، وتقدحه لا تمدحه، وتُدوِيه لا تُداويه.
-فإذا أردنا النقد الهادف، البَنَّاء، الموضوعيَّ فعلينا فهم السياق العام للحديث، وعمومية الفكرة المراد إيصالها للقارئ، بشكل متجرد عن الهوى بعيدًا عن التحيُّزِ بإسقاط الفكرة العامة وصرفها إلي مخصوص بعينه، وفرد بشخصه،
ففي ذلك من الإنصاف ما يحمد فاعله، ومن الثناء الجميل ما يطيب حامله، ومن العدل ما يُزكِّي وازنه، حيث تم وضع الكلمات في سياقها المعهود، والألفاظ بمدلولها المنوط، والأحداث بسياقها المورود، والفكرة في إطارها الموجود، فلا تأويل صارف للفظ عن معناه، ولا تهويل بمعنىَٰ غير مبتغاه، ولا تهوين بمواطن الجَدَّ، والحسم، ولا تراخى بمآثر العزم، والرحمة فوق البأس والحزم.
-أمَّا إذا أردتَ النقضَ الهادمَ فما عليك سوىَٰ تأويل مالا يراد، والذهاب بخيالك إلىَٰ آفاق الأوهام، والأحلام، والبعاد؛ فتصرف عموم الخطاب إلي أشخاص بعينهم، والأفكار المتجردة إلى أنفس بذواتهم، فضلًا عن قَصِّ الكلام، وبتره من سياقه، وسكبه في دروب، وحواري غير حاراته ، وزرعه بأرض غير أرض لاستنباته علمًا بأن تلك الأرض بور لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأً، وإن هذا لمن قبيل البغض، والنكاية، والعناد؛ أو مجاملة، ومناصرة نفس علىَٰ حساب ذات معتبرة، بإثبات تقدير زائف، وإخلاص واهم مما يزيد التنافر لا التضافر ؛ فيُسكِبُ علي النار ما يشعلها، ويزيد من عُلوِّها، ويؤججها،فلا تُخمَد؛ فتأكلُ الأخضرَ واليابسَ، ويصيرُ بالقلبِ سوادًا، ويكونُ الوجهُ عابسًا.
فالتكلُّفُ غيرُ مطلوبٍ، والهجوم غيرُ مرغوب، والتأويل غيرُ محبوبٍ ؛ فلا تُلتَمس الأعذار بمكنون الكلمات، ولا يُبتَعد عن الهفوات، ولا تَنأىَٰ النفس عن صغائر الزَلَّات، وفي ذلك قِمَّة التَجَنِّي، والظلم للمتكلم بالرغائب، والتمنِّي، فما أراد المتكلم كل ذلك، بل كانت، وما زالت نواياه مخلصة، لكن النقض له أرداه شر المسالك، فصار بمصيره إثر النقض حتمًا لا مفر هالك،
لا سيَّما إذا كان المتأول للفظ من المحبوبين لديك، والمقربين إليك ففيه كناية بشدة التجنِّي عليكَ كأنه قاتلك، ودافنك بيديكَ.
-فاتقوا الله عباد الله فيما تصرفون من الألفاظ لغير سياقها،
والتمسوا للناس بابًا واحدًا من عُذر، لا أقول ألفَ بابٍ حاشا لله فضيق الأنفس لم تعد تتحمل هذه القيم النبيلة ، وتلك المثل العليا حتى، ولو جُبِلَتْ عليها، وأَلِفَتْ ما لديها فالنفس أمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربِّي؛ فقد رُوِيَ عن عمرَ أنه قال: (لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا)
وإياكم من سوء الظن بالناس فيما لم يقصدون، حيث النيات محلها القلوب، والقلوب لا يعلم مكنونها، ومرادها، وبواطنها إلا خالقها، فلا تجعل من نفسك وصيًّا علي أحدٍ، ولا قاضيًا، وجلَّادًا بنفس الوقت إذ أقسى أمرٍ، وأصعب شيءٍ أن يموتَ في عينيكَ إنسانٌ وهو حَىٌّ.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق