الأربعاء، مارس 20، 2013

إضرابات حمالي الفحم ولفافي السجائر و بدايه الحركه العماليه المصريه


أعلنت الطبقة العاملة المصرية عن وجودها منذ ما يقرب من مائة وسبعة وعشرون عاما مضت ، وكان من بدا المشهد الافتتاحي لنضال الطبقة العاملة المصرية  هم حمالي الفحم ببورسعيد (أبريل 1882)  ولفافى السجائر  (ديسمبر 1899)،  هذان القطاعان العماليان اللذان خاضا أول إضرابين ضد الاستغلال الرأسمالي، في مصر، ومن اجل رفع الأجور، وتخفيض عدد ساعات العمل، ولازالا يمثلان اليوم ملهماً للحركة العمالية المصرية ولكل المهتمين بالشأن العمالي.
اتسمت الفترة، منذ عام 1882  وحتى بدايات القرن العشرين، ببعض السمات، التي لعبت دورا مهما في نشأة وتكوين الحركة العمالية المصرية، منها مثلا نزوح الفلاحين الأجراء، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش على الإنتاج الزراعي ، وكذلك هجرة قطاعات عريضة من العمال الأجانب ذوى الوعي العمالي المتقدم إلى مصر بحثا عن فرص عمل أفضل، واتسمت الفترة بظروف العمل السيئة.
إضراب حمالي الفحم أبريل 1882
أنشأت مدينة بور سعيد عام 1859 ، وكانت من أهم المدن الساحلية، التي تزود وسائل النقل البحري بالفحم، فضلا عن أنها كانت من أهم محطات شحن الفحم على المراكب،  خاصة بعد افتتاح قناة السويس، عام 1869 ، وقد تشكل العمال الأجراء، الذين كانوا يقومون بأعمال نقل الفحم، من الآلاف من الفلاحين، الذين هاجروا  من صعيد مصر  إلى مدينة بور سعيد،
ولم تكن العلاقة بين هؤلاء العمال الصعايدة  وأصحاب العمل الأجانب علاقة مباشرة، وإنما كان يتوسط بينهما ما سمي حينئذ بالمشايخ، وهم ما يطلق عليهم الآن (مقاولون الأنفار )، وكان دور هؤلاء المشايخ هو جلب العمال الصعايدة  للعمل في شركات الفحم، مقابل نسبة 30% يأخذها (الشيخ) وتقتطع من اجر العامل.
كان اجر العامل فرنك واحد (  للمقطوعية )  اى مقابل  حمل طن من الفحم، وقد طالب العمال مرارا بزيادة الأجر، الذي لا يكفى الواحد منهم للبقاء على قيد الحياة، خاصة في ظل الظروف الشاقة للعمل، ولكن لا حياة لمن تنادى.
في أول أبريل امتنع العمال  عن العمل 1882، مطالبين بمضاعفة اجر المقطوعية، وردد  أصحاب الأعمال، كذباً،  أن أجور حمالي الفحم في بورسعيد أعلى منها في مالطا ومرسيليا ولندن ، ثم اقترحوا نظاما جديدا يبقى على نفس الأجر، ولكنه يخفض من النسبة التي تدفع للمشايخ، وجاء رفض  الحمالين واستمروا في الإضراب، وأمام تصميم الأجراء على مطالبهم من ناحية،  وضغط السفن المتوقفة،  هدد أصحاب الأعمال بالإتيان بعمال مالطيين وأرمن لكسر الإضراب، وطرد المضربين عن العمل، كما طلبوا من إحدى السفن الحربية التابعة للسلطات البريطانية الحماية، ولكن لم يخضع العمال لهذه التهديدات، بل استمروا في إضرابهم، حتى شهر مايو، مما اضطر أصحاب الشركات إلى الخضوع لمطالب العمال.
فى الشهور التالية كسب حمالي الفحم  مكاسب إضافية فحصلوا على أجور بلغت ما بين 3 و 4 فرنكات للطن الواحد، ولم تدم هذه الانتصارات كثيرا فبعد الاحتلال البريطاني لمصر في يوليو عام 1882 ، قام أصحاب الشركات بسحب مكتسبات العمال، التي حصلوا عليها، مطالبين العمال بالقبول بالأجر القديم.
 لجأ أصحاب الشركات إلى هذه الخطوة، بسبب أن الفحم كان يخلى المكان ببطء للبترول، فما كان منهم إلا تخفيض أجر الحمالين، وهو ما اضطر الكثير من ( الأُجَراء الصعايدة ) إلى ترك بورسعيد بحثا عن عمل آخر.
اضرب حمالي الفحم ببورسعيد مرة أخرى عام 1907 مطالبين بزيادة الأجور، وبإلغاء نظام المشايخ،  ولم ينتصروا هذه المرة، بل أن وظائفهم بدأت تختفي تدريجيا في السنوات التالية، حتى تلاشت نهائيا.
إضراب لفافى السجائر ديسمبر 1899
اتسمت صناعة السجائر في مصر بأنها كانت من اكبر المرتكزات العمالية في ذلك الوقت، وذلك نظرا لاتساع سوق التصدير وتمتع السجائر المصرية بسمعة تجارية جيدة ، كان العمال في كل مصنع مقسمين ، ووفقا لتقسيم عمل يميز بين الأعمال التي تحتاج إلى مهارة كاللف والحشو، وكانت من نصيب العمال  اليونانيين، وبعض العمال الشوام والأرمن، واما العمال المصريين فكان من نصيبهم أعمال أدنى، وفى أدنى درجات تقسيم العمل جاء عمال فرز ورق اللف، وكان اغلبهم من النساء.
كانت أجور العمال هزيلة بالمقارنة بالأرباح، التي تجنيها صناعة السجائر ، وهو ما دفعهم إلى القيام بالإضراب في أواخر ديسمبر عام 1899، مطالبين برفع الأجور، وتخفيض عدد ساعات العمل، التي كانت تتراوح بين 13 و 17 ساعة يوميا ، وكان العمال اليونانيين على راس الإضراب، بل أنهم شكلوا الوجع الرئيسي لأصحاب المصانع، الذين اضطر عدد منهم إلى إغلاقها بسبب الخسائر الفادحة. وقد حاول بعض أصحاب المصانع الاستعانة بعمال مصريين لكسر الإضراب، وقد رد العمال المضربون على هذه الخطوة بالتظاهر، خارج أبواب المصانع، لكسب التعاطف الجماهيري مع مطالبهم .
تميز إضراب لفافى السجائر بالتنسيق بين العمال في المصانع المختلفة، وهو ما دعم استمرار الإضراب، حتى فرغت مخازن أصحاب المصانع، مما اضطرهم إلى الجلوس في نهاية المطاف مع العمال على طاولة المفاوضات.
لعب العمال اليونانيين دوراً جوهرياً في انتصار هذا الإضراب، في فبراير 1900، نظرا لمعرفة كثير منهم للقراءة والكتابة، واشتراكهم في نضالات عمالية أخرى، حدثت في أوروبا قبل مجيئهم لمصر، مما أثقل وعيهم العمالي، وأتاح الفرصة أمام العمال المصريين للاستفادة من خبراتهم.
مع حلول عام 1903 دخل لفافو السجائر  في مفاوضات أخرى مع أصحاب المصانع، من اجل زيادة الأجور والتخلص من الملاحظين المستبدين، انتهت  المفاوضات بالفشل، مما دفعهم  للإضراب ، وكان أصحاب المصانع مستعدين للمواجهة هذه المرة، حيث اعلنوا تخفيضا عاما للأجور، وقد استعان أصحاب المصانع بالبوليس في مواجهة العمال، وقد وقعت أعمال عنف كثيرة، واستطاع أصحاب الأعمال كسر الإضراب، بإجبار العمال المصريين والشوام على العمل، وطرد العمال اليونانيين، وإحالة بعض قيادات الإضراب للمحاكمة، ونفيهم من مصر .  
خرج لفافو السجائر من هذه التجربة المريرة بدرس أساسي، هو الحاجة إلى تنظيم أنفسهم  في نقابة، وقد أنشئت النقابة بالفعل في مصنع ماتوسيان، وظلت ضعيفة حتى عام 1908، عندما قام عمال القاهرة بالإضراب عن العمل، وقد كانت هذه النقابة هي نواة الاتحاد الدولي لعمال السجائر والورق، وقد كانت هذه النقابة مفتوحة لجميع العمال في مصانع السجائر، بغض النظر عن جنسيته، ومهارته.
هذه دروس قدمها العمال الأوائل،  لمن يريد أن يتعلم، فحمالي الفحم، ولفافي السجائر خاضوا نضالهم ضد سلطة راس المال، دون أن يكون هناك قانونا للعمل أو آخر للنقابات العمالية، بل على مسرح المواجهة المكشوفة مع الاستغلال الرأسمالي،  مستخدمين سلاحي الإضراب والنقابة المستقلة، والآن وبعد أكثر من قرن من الزمان ، تشرق شمس الطبقة العاملة مرة أخرى على سماء مصر بعشرات الإضرابات اليومية، التي يخوضها العمال،  والتي تغرز جذرا لأمل، طال انتظاره، في أن يقود العمال جماهير الفقراء والكادحين، إلى النضال،  من اجل التحرر الشامل من سلطة راس المال .
منقول للأهميه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق